د. نايف بن عبدالله بن دايل
عرف المصريون القدماء الكتابة باستخدام القلم منذ أكثر من ثلاثة قرون قبل الميلاد، حيث وظّفوا القصب لصنع فُرش رقيقة تمكنهم من رسم نصوصهم وتوثيق حضاراتهم.
ولقد استمر استخدام قلم القصب والخيزران إلى بداية حقبة العصور الوسطى بالقرن السابع الميلادي، حيث تم استبداله بقلم الريش الذي امتاز بخاصية المحافظة على دقة رأسه لفترة أطول.
ولم يسد العمل بالقلم المعدني إلا قرابة القرن الثامن عشر الذي لحقه تصميم قلم الحبر الجاف (البول بن) منتصف القرن العشرين بواسطة لاسلو بيرو وأخيه، فلقد كان بيرو صُحفيا هنقاريا، ولا عجب حين يُشاع: أن الحاجة، أم الاختراع.
وعلى الرغم من إطلاق الآلة الطابعة في نهاية القرن التاسع عشر، استمر القلم - ولازال - يمخر فضاءات الأدب، ويَنْظِم نصوص الخيال.
وحيداً لا ينازعه في صف الكلمات، لا محِبرة، ولا أداة.
وارتبط مع ذكره كتابة المقالات، ومعاتبة الأفكار، واستجلاب القصيد.
إلى حين اكتساح أجهزة الحاسب الآلي المكتبي والمحمول واللوحي الحياة العملية، قبل الخاصة، وباتت لوحة المفاتيح هي الملهم الجديد، والمحرك لعشرة أصابع بدلاً من فقط اثنين.
مع ذلك التغير، تبقى طقوس الكتابة متفاوتة بحسب عادات وطبائع الكاتب.
أتذكر حين جلست لأول اختبار قدرات للغة الإنجليزية (التوفل) مطلع القرن الحالي، فقد كانت النسخة الإلكترونية قد قدمت حديثاً كبديل لطريقة الامتحان الورقية.
وحين بدأت بكتابة الجزء المقالي وبعد اختيار الموضوع وجدت نفسي غير قادر على الكتابة مباشرة على الجهاز، ذلك أني لم آلف ارتجال الكتابة على لوحة المفاتيح مباشرة بعد.
فما كان مني قبل أن أنسخ محتوى مقالي على الجهاز، إلا أن كتبت أولاً ما أردته على ورقة خارجية باستخدام «قلم».
تبدّل الحال الآن.
وبِتُّ كالكثير من الدارسين والكُتاب والباحثين، أهرع إلى لوحة المفاتيح كملاذي الأول لتسجيل ما يدور بالخلد ويتردد بالوجدان.
لقد أضحت محطة لغرس المعاني وقطف الأفكار كما لو كانت صفحاتٍ غنّاء أو «لوحة مصابيح».