زكية إبراهيم الحجي
قديمًا كانت هيبة المعلم تسبق حضوره إلى الفصل، بل ترافقه دومًا داخل أسوار المدرسة وخارجها.. وأكاد أجزم بأن ذاكرة معظم الرعيل الأول ما زالت تستحضر بين فينة وأخرى مشاهد قرص الأذن.. ولطمة القفا.. ولسعة المسطرة على الكفين تأتيه من معلمه، ودون أن ينبس ببنت شفة، بل يقف منحنيًا، لا يجرؤ على رفع نظره في وجه معلمه هيبة ووقارًا له.. اليوم انقلبت الموازين، وتبدلت المعايير، واختلت العلاقة بين المعلم والطالب.. باتت الهيبة والوقار والاحترام حلقة مفقودة في العلاقة بينهما.. وبتنا نقرأ ونسمع من وقت لآخر عن جملة حوادث اعتداء وممارسات إيذائية من قِبل بعض الطلاب أو أولياء الأمور تجاه أحد المعلمين بهدف إلحاق الضرر به، أو بممتلكاته الشخصية.. ظاهرة تأخذ منحنى خطيرًا إذا لم يتدارك المسؤولون في وزارة التعليم الأمر قبل أن يكاد المعلم أن يكون قتيلاً.
عندما يقوم طالب بالمرحلة الثانوية في مدرسة عبد الله بن عباس بمركز «جرداء بن علي» بمحافظة الحجرة بالاعتداء على معلم وضربه باستخدام عصا غليظة، أدت لشج رأسه؛ وتم نقله إلى المستشفى لإسعافه، فضلاً عن حوادث اعتداءات، تعرَّض لها بعض المعلمين في أوقات سابقة، يجعلنا ذلك نتساءل عن أسباب هذه التجاوزات الخطيرة التي عززت ظاهرة الاستقواء تجاه المعلم.. وهل مرد ذلك التصرف هو الافتقار إلى التربية السليمة؟ وما هو الخلل في المنظومة التربوية والتعليمية؟.. وهل سوء تعامل المعلم يدفع ببعض الطلاب نحو الإقدام على الاعتداء واقتراف سلوكيات أقرب إلى الجريمة بحق معلميهم؟.. هل الظاهرة نتيجة عوامل تراكمية منذ الصغر؟.. ثم هل الإعلام جزء من المشكلة من خلال الأفلام أو بعض البرامج والألعاب الإلكترونية التي تنمي دوافع العنف، وتحرك العدوانية دون أن يشعر الشاب؟.. وما يؤلم أكثر هو أن العنف أصبح سمة في الرياضة التي يعشقها الشباب، فهل الرياضة التي طغى عليها العنف أحد الأسباب الكامنة خلف العنف العدواني عند بعض الشباب؟
تساؤلات متعددة، تُطرح حول هذه الممارسات السلوكية التي ألقت بظلالها على العملية التربوية والتعليمية، وأضاعت هيبة المعلم، وسلبته مكانته التربوية والتعليمية، وظلت حديث المجتمع في ظل غياب عقاب رادع لكل من يتجاوز القيم الأخلاقية.
خطاب موجَّه إلى وزارة التعليم أوجزه بعبارة «الاعتداء على معلم ما هو اعتداء وانتهاك صارخ لقداسة رسالة التعليم التي يحملها المعلم مربي الأجيال؛ لذا فهيبة ووقار واحترام شخصيته هي من هيبة المؤسسة التعليمية؛ وبالتالي من هيبة رسالة التعليم ومكانتها.. نتألم بمرارة؛ لأننا أفقدنا هذه الشخصية المؤثرة ما تستحقه من تقدير وتبجيل.. ومع ذلك كله سيبقى المعلم روح الوطن، يبذل ويجتهد ويضحي من أجل الوصول بالأجيال لما هو أسمى».