خالد بن حمد المالك
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا يظهر كثيراً كمتحدث لوسائل الإعلام وللنُّخب الاقتصادية والسياسية، ولكنه إذا ظهر شكّل الفرق والإضافة والتجديد والابتكار عند المقارنة بينه وبين الآخرين من الساسة والاقتصاديين، فلديه المفاجآت السارة، والمعلومة الحاضرة، والرأي السديد، وقوة الحجة، والشجاعة في اتخاذ القرار، ومواجهة التحديات بالتصميم والعزم والحزم، كما رأيناه في جلسة (نبض التغيير) ضمن جلسات مبادرة مستقبل الاستثمار العالمي أول أمس.
* *
في غضون سنتين من عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان توالت الإنجازات، وتنوعت المبادرات، وتشكّلت القيمة الإضافية لهذا الجهد الخلاّق من خلال إصلاح الأنظمة وتطويرها من جهة، والتوجه إلى خيار الاستثمار الأجنبي بعد إصلاح البيئة المحلية المناسبة له من جهة أخرى، وكان محمد بن سلمان بتوجيه من الملك، هو العرّاب والمهندس لكل هذا الذي نراه أمامنا من الأفكار والطموحات والإنجازات، بما أذهل الأجانب، وجعلهم يتحدثون بانبهار عنه، فيصفه أحد أبرز رجال المال والأعمال الأجانب بأنه التقى قادة عدّة حول العالم، لكنه لم ير قائداً بسنٍّ يافعة يحمل شغفاً كبيراً مثل الأمير محمد بن سلمان.
* *
كان ولي العهد في حديثه أمس الأول قائداً غير عادي، بشفافيته وصراحته وحضوره الذهني، وتلك المفاجآت المدوِّية التي أعلن عنها اقتصادياً وسياسياً، وزاد من أهميتها أنه كان يتحدث - وكلامه منقول على الهواء مباشرة عبر قنوات التلفزة إلى العالم - أمام أكثر من ستين دولة حضرت ويمثلها ألفان وخمسمائة من الشخصيات الرائدة والمؤثرة في عالم المال والأعمال، بالإضافة إلى الملايين من الناس المهتمين الذين كانوا أمام شاشات التلفزيونات يستمعون باهتمام إليه.
* *
محمد بن سلمان في حديثه بجلسة «نبض التغيير» لم يكن يمثل نفسه، وإنما كان ينقل إلى العالم استراتيجية وبرامج وخطط وتطلعات المملكة في عهد الملك سلمان، وكان الأمير الشاب يقول بلسانه «أنا واحد من عشرين مليون سعودي، وأنا لا شيء بدونهم، وأنا أقل وأضعف مثال لهم كلهم» أي أنّ كلامه كان يمثل الملك، يمثل المواطن، ويمثله شخصياً، لتتكامل هذه الأدوار، فيجوز لنا عندئذٍ أن نقول: إنّ كلامه يمثل المملكة بقيادتها ومواطنيها.
* *
في كلامه مضامين كثيرة، وعناوين مهمة، وطموحات لا حدود لها، أبهر الأمير الحضور، فصفقوا له طويلاً، وأصغوا باهتمام لما كان يقوله، وتأكد لهم بأنّ الأمير الشاب يسعى لأن تكون الأحلام واقعاً، وأنه يسعى لأن تحجز المملكة فعلاً مكاناً لها في مستقبل العالم، معتمداً في ذلك على ما أسماه الأمير بالإنسان السعودي بوصفه العنصر الأكبر الذي يُعتمد عليه في استثمار الفرص الاقتصادية الخيالية المتاحة في بلادنا.
* *
ما يجري في المملكة من حراك اقتصادي وسياسي وأمني، ومواجهة للتحديات أمام الانكماش الاقتصادي في العالم، من خلال التدخلات الجراحية - وإنْ كان بعضها موجعاً - مكّنها من أن تحافظ على استقرارها المالي والاقتصادي، وتنوع مصادر دخلها، وتتخلص من الآثار الجانبية بحزمة من القرارات وبرامج التحول الوطني ورؤية المملكة، لكن الأهم هو إصرار القيادة في البحث والتفتيش عن الفرص المتاحة بالمملكة لاستثمارها لمواجهة النقص الحاد في أسعار النفط، وعدم الاطمئنان على أنّ السوق العالمي لديه الاستعداد والقدرة في المستقبل لاستيعاب مستويات الإنتاج الحالية.
* *
لهذا جاء إعلان ولي العهد عن «نيوم» كأحد المشاريع العملاقة التي سيخصص لها خمسمائة مليار دولار، يتم توفير هذا المبلغ الكبير من صندوق الاستثمارات ومستثمرين محليين وعالميين، ويقام المشروع على أرض داخل حدود المملكة وكلٍّ من مصر والأردن، وسيكون المشروع المدخل الرئيس لجسر الملك سلمان الذي سيربط بين آسيا وإفريقيا.
- يتبع -