عبدالوهاب الفايز
صندوق الاستثمارات العامة، في مشروعاته التي يطلقها، يتحول إلى محرك اقتصادي فعال، والأهم أنه يدخل مجالات حيوية للتنمية المستدامة، بالذات التي تمس الأمور الاساسية التي لم تدخل سابقا في أولويات السياسات الحكومية.. رغم أهميتها للاقتصاد ولتوفير الهدر في مواردنا المالية.
من أهم المشروعات التي أعلنها الصندوق الأسبوع الماضي هو تأسيسه لـ(الشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة)، ويهدف الصندوق من تأسيسها إلى رفع كفاءة استخدام الطاقة في جميع المباني والمرافق الحكومية القائمة. وطبقًا لبيان الصندوق سوف تتيح الشركة الجديدة «وبالشراكة مع وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية ووزارة المالية والمركز السعودي لكفاءة الطاقة، فرصاً استثمارية جديدة لقطاع الأعمال السعودي من خلال الدخول في شراكات مع القطاع الخاص لتنفيذ المشروعات، حيث تقدر الفرص الإجمالية في هذا القطاع في السوق السعودية بما يصل إلى 42 مليار ريال».
والصندوق يتوقع فرص استثمارية إيجابية تدعم التوجه للاستثمار في كفاءة الطاقة، فهذا القطاع يصل حجمه إلى أكثر من 130 مليار ريال، والشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة التي حدد لها رأسمال بـ1.9 مليار ريال «ستقوم بتمويل وإدارة مشروعات إعادة تأهيل المباني والمرافق الحكومية، التي تمثل نحو 70 في المائة من حجم المشروعات في هذا المجال».
هذه الخطوة المهمة والضرورية كنا ننتظرها حتى نوجد الآلية التي تتولى الاستثمار في إعادة تأهيل مرافقنا الحكومية التي تتجاوز 200 ألف مرفق، وهذه كانت من أهم المجالات التي وضعها البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة في أولوياته، والعمل عليها يتطلب قيام مثل هذه الشركة حتى تساعد ماليًا على خفض استهلاك الطاقه بالذات في المرافق المستهلكة التي تدفع تكاليفها الحكومة مثل المساجد التي يتجاوز عددها 130 ألف مسجد، فالمساجد تحتاج تعديلات في التصاميم والتجهيزات حتى ترشد استهلاك التكييف، فالتعديلات تتطلب تكاليف مالية، وقد لا يتمكن المحسنون الذين أقاموا أغلبها من إتمام التعديلات الضرورية.
هذه الشركة كان من الضروري قيامها قبل سنوات مضت، بالذات منذ اتضاح ارتفاع استهلاك الطاقة محلياً، ولكن (أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي)، المهم أن هذه الشركة ستكون مصدراً عملياً لخفض الإنفاق الحكومي في استهلاك الكهرباء، وبالتالي انخفاض في استهلاك النفط المكافئ في قطاع الكهرباء، بالإضافة إلى مساعدتنا لتوفير الاستثمارات الكبيرة لبناء أو توسيع محطات الكهرباء.. وما يتبع ذلك مشروعات نقل وتوزيع الكهرباء.
أيضاً هذه الشركة ربما تتجه إلى تقديم القروض الميسرة لمساعدة المستثمرين في المنشآت السكنية لكي يدخلوا التغييرات الضرورية لترشيد استهلاك الكهرباء، وربما في خطوة جريئة (استثمارية)، لعل الصندوق يؤسس مع الشركة السعودية للكهرباء (شركة مستقلة لخدمات التشغيل والصيانة في قطاع الكهرباء المنزلية)، بحيث تتخصص الشركة في تركيب وصيانة الكهرباء في القطاع السكني، ومع توسع وزارة الإسكان في مشروعاتها، ستوفر هذه فرص استثمارية كبيرة للشركة المقترحة. أيضاً ثمة آثار إيجابية عديدة أخرى، منها توسيع التوظيف في مهنة الكهرباء التي تحتاج معرفة علمية بحكم تطور الأجهزة في المنازل، وأيضاً تضمن السيطرة على المواصفات للأدوات والتمديدات، والآن حوادث الحرائق المأساوية في البيوت هي نتيجة للأجهزة والتوصيلات، والآن تتولى العمالة غير المدربة أو المرخصة الأعمال الكهربائية في بيوتنا.. وبثمن مرتفع ولا توجد ضمانات أو رقابة على عملها! مثل هذه الشركة يفترض (نظاماً) أن تكون هي المخولة بكل ما يخص الجوانب الكهربائية والميكانيكية في المنازل، ويعتبر هذا مجالاً سيادياً لارتباطه بالسلامة العامة التي لا تقبل المساومة أو التنازلات.
إننا ننتظر مثل هذه المشروعات النوعية لصندوق الاستثمارات العامة، وهذه تضاف إلى المشروعات التي أعلنها الصندوق مؤخراً، مثل تأسيس الشركة السعودية لإعادة التدوير، وشركتي رؤى الحرم المكي ورؤى المدينة المنورة، كذلك مشروع تطوير وسط جدة باستثمارات تبلغ 18 مليار ريال، مع التوجه لإنشاء شركة مقاولات كبرى بالاشتراك مع شركة أرامكو ومستثمرين آخرين في قطاع المقاولات، وأيضاً تأسيس الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، ولعل الصندوق يبادر إلى إطلاق شركات لإدارة الخدمات في مدننا التي تحتاج إلى نقلات نوعية للإدارة تتجاوز الوضع السلبي القائم الذي جعل مدننا غير اقتصادية.. وغير إنسانية!!
مثل هذه المشروعات الاستثمارية توفر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والأهم أنها ستكون مولدة لفرص العمل، وفرص الاستثمار للمشروعات المتوسطة والصغيرة، وتؤسس الكيانات التي تنهي حالة الهدر، بل (فن الهدر) في الاقتصاد السعودي نتيجة للآليات والسياسات الحكومية المطبقة في بعض المجالات الحيوية.