أمل بنت فهد
البحث عن الأفضل في شتى جوانب حياتك.. من أعمق الغرائز التي تُدخلك في منعطفات حادة.. ويبدو بحثك منطقياً.. ويدل على النضج والتفكير المبدع.. لكن ليس في كل الأحوال.. فبعض الاعتقادات تبدو لأول وهلة منطقية.. إلا أنها عبثية وقد تكون مُدمرة حين تفتش في تفاصيلها.. وتعيش آثارها.
ماذا يقتل فيك البحث عن الأفضل؟ وإلى أي مدى هو خانق لمتعة الموجود والمتاح؟ كم يعميك عن ذاتك.. كم يدفعك لترك الأمكنة قبل فهمها وتجربتها.. كم يضطرك لاستبدال الأصل بنسخة مكررة.. كما يحدث عند الهوس بعمليات التجميل.. والموضة.. والهبّات الشعبية.. كم يجبر نظرك للبحث في مكان آخر.. وطريق مختلف.. وشخص ثانٍ وثالث.. بعيداً عن نفسك.. بعيداً عن طريقك الذي لم تتأكد أنه يُفضي إلى باب قبل أن تغير مسارك لطريق غامض.. لا تعرف عنه إلا أنه مجرد طريق والسلام.
التغيير جميل حين تعرف يقيناً متى يكون أوانه.. ويختلف عن بحثك عن الأفضل.. لأن التغيير يعني أنك جربت ما عندك.. وعرفت أنه لا يناسبك.. لكن عقدة الأفضل تعيش معها كأنك على أرضٍ زلقة وغير ثابتة.. وكل ما تمسكه تفلته لأنك لمحت شيئاً آخر.. وهكذا دواليك.. وحين تتمكن منك تلك العقدة.. تفقد معها طعم الأشياء.. ولونها.. ورائحتها.. ولا ترتبط بأي شيء حولك.. أو معك.. بل قلبك معلق في مكان لا تعرفه.. وكل مرة تظن أنك وصلت.. فإذا الطريق يكمله طريق أطول!
عقدة الأفضل لا تحلها القناعة كما نعرفها اليوم.. لأن القناعة لا تكون قناعة إلا حين تدرك ماهية الأشياء التي اسبغت عليها هذه النعمة.. وليست كما يعتقد البعض أنها قبول الموجود ولو كان لا يكفي.. أو غير مناسب.. القناعة شعور يغمرك شغفاً بالشيء.. ولا يكسرك.. القناعة ليست عجزاً عن الفعل.. بل هي منتهى الإيمان والمعرفة.. ليست شكاً.. وليست صياماً أو عزوفاً.
وفي حوار مع سيدة عظيمة عن القناعة.. قالت: اقنع تشبع! فقلت لها بل: اشبع تقنع.. والشبع ليس التعاطي وصولاً للتخمة.. بل التشبع بالشيء حد الامتزاج معه.. واستيعابه.. وسبر أغواره.. والدخول عميقاً معه.. دون حدود.. دون خوف.. دون أقنعة.. دون تصنع.. دون مقاومة.. امتزاج هادئ يخلق استقراراً لا يعرفه صاحب عقدة الأفضل.