فوزية الجار الله
لا حدود للمعرفة، لا حدود للأمل، لا حدود لمنظومة هذا الكون الذي أتقن الله خلقه وتصويره، وأيضاً لا حدود لخطوات الإنسان، فقط حين تبلغ الهمة مداها.
أتعامل مع «الواتس أب» بمنتهى الحذر فليس كل ما يتدفق إلينا خلاله يقع ضمن الحقائق الموثقة، بل إن الغث فيه أحياناً يبدو طاغياً وواضحاً، لكن تلك اللقطة التي رأيتها كانت حقيقية ورائعة، بدا بقامة رشيقة، منتصبة، كان منهمكاً يتسلق الجبل بمنتهى السعادة، توقف قليلاً ليجيب السائل عمره أربع وثمانون سنة، يقولها بكل فخر وثقة وإيمان بمهارته وبرغبة قصوى في الحياة، لقطة جميلة جديرة بالتأمل، والأجمل أن الرجل الذي أخذ طريقه عبر الجبل هو أحد أبناء هذا الوطن وهذا ما يبهجنا أكثر. ليس أسوأ من تلك العبارة (لا تأخذ زمن غيرك) لا أدري من بدأ بإطلاقها وهي عبارة سيئة ظالمة وجائرة، وكأنما الزمن مقدار محدود ينبغي ترشيد استهلاكه فإن عاش شخص ما حياته إلى أبعد مدى فكأنما يسرق حياة الآخرين ويفسد أجواءهم، لم لا يحيا حياة طيبة هانئة ما دام يتمتع بالصحة والعافية، طالما لم يعتد على حق أحد في الحياة ولم يقف حجر عثرة أمام تقدم الآخرين، فليحيا بقدر ما يستطيع فالحياة حق للجميع، لأنه وبكل بساطة حين يتأثر شخص ما بهذه المقولات الجائرة وما شابهها مما يثبط العزيمة ويبعث الوهن والكسل يبدأ المرء من أي من الجنسين بتوجيه الملامة إلى نفسه وانتقادها على كل سلوك أو حركة يفعلها بحجة العيب وما ينبغي وما لا ينبغي، سوف تتحول هذه العبارات إلى أفكار رمادية تستبد بتفكيره وروحه وتعطيه إحساساً بالعجز وقلة الحيلة وعدم الأحقية في الحياة وضرورة التنحي عن الطريق لأجل الآخرين، وبمرور الوقت يقل نشاطه ورغبته في الحياة، يلازم الأرض، ربما زاوية واحدة من مجلسه المعتاد في بيته، هذا يعني بأنه يسارع إلى الموت برغبته، هذه الأفكار بالضرورة سوف تورثه العلل والأمراض فالكثير من الأمراض أسبابها الأولى أسباب نفسية، كلنا سنبلغ من العمر عتياً إن كتب الله لنا عمراً طويلاً فلنتوقف عن لوم الكبار بإشعارهم بضرورة التنحي عن الطريق وملازمة المقاعد والزوايا فليستمتعوا بالطبيعة وبجمال الكون ما شاءوا وليهنأوا بكافة لحظاتهم دونما تردد أو خوف أو حساب لنظرات الآخرين بكلمة أو نظرة فالحياة حق للجميع.
****
** (هناكَ خارج هذه الأسوار العالية.. في السهوب.. في تلك التلال المحيطة بدمشق، طفلةٌ تقطفُ زهرة.. طفلٌ يلهو بكرة...
نحلة تحط على بتلة زهرة تهم بأن تفتح ذراعيها للنور.. رجل يمشي لمجرد أنه يريد أن يمشي، أمٌّ تركض خلف طفلها الذي تجاوز السياج باتجاه الشارع.. وذئبٌ يرتقي هضبةً في الليل فيرسل عواءهُ إلى القمر.. وشاعرٌ يقف تحتَ شباك حبيبته لينتقي لها كلماتٍ ناعسات وهي لا تشعرُ بوجوده.. )..
من أجمل ماقيل في وصف نبض الحياة، من رواية (يسمعون حسيسها لأيمن العتوم).