د. حسن بن فهد الهويمل
يقول البرمون حين يفيضُ عندهم الكيلُ من مجازفات الغثائيين المغثين:- [زودتموها].
وعند بعض الشعراء الغزليين:- [زودوها حبتين]. و[الصبرة] عند الفقهاء:- [الكومة من القمح]، وفي حديث أبي هريرة:- [مَرَّ الرسول على صبرة طعام…].
لقد تحملنا ممن [زودوها حبتين]، ولكننا لن نطيق احتمال مَنْ أفاضوا بكومة من تجاوزاتهم التي تفوق كومة القمح عدداً.
المشهد الثقافي فاض معينة، وبلغ فيه الافتراء والتجني الزُّبَى. وحين يبلغ السيل الزبى تصل الأمور إلى حَدٍّ لا يمكن معه السكوت.
القادرون على القول رعاة، ومسؤولون عمَّا استرعاهم الله عليه. ومراقبة المشاهد الثقافية، والأخذ على يد المجازفين من أولويات فروض الاحتساب .
أجواؤنا الثقافية، والإعلامية مستباحة لكل ناعق، تختلط فيها الأصوات المتشنجة، والآراء الشاذة، والمفتريات المغرضة.
وحين نقول:- [لا يصلح الناسُ فوضى لا سرات لهم]. فإنما نريد وضع سقف لكافة التجاوزات، التي لا يعلو عليها الماء.
قد نحتمل زلة قلم عارضة. ونقيل ذوي الهيئات عثراتهم. ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى سبق الإصرار، واستمرار العناد، ولجاجة التحدي، من أناس لا يرعون في قومهم إلاً، ولا ذمة.
ما يستغربه، ويستنكره الأسوياء من النخب تهديد حصوننا من الداخل، واستعداء الأعداء عليها، وتزويدهم بالوثائق المزوَّرة.
العالم كله يتبادل الاتهام بصناعة [الإرهاب]. والدول المستبدة التي تولت كبر التعدي بتدخلاتها السافرة، وإمعانها في تعفير كرامة الشعوب، أسهمت من حيث تريد، أو لا تريد في تجلي هذه الظاهرة.
حتى لقد اختلطت المقاومة المشروعة بالإرهارب المحظور، وأصبح القول فيه مرتهناً للأهواء، والمصالح. والمتَحَرِّون للصواب قلَّةٌ، وصوتُهم خافت لا يكاد يبين.
وأقوى البراهين أن الذين يمارسون الإرهاب في وضح النهار على مستوى الدول، والأحزاب يُؤْذَنُ لهم، وتحمى ساقتهم، ويُغَضُّ الطرف عن مقترفاتهم. فيما توجه الاتهامات، ويُفْترى الكذب على دول مسلمة مسالمة، لا لشيء إلا لأنها عصية الخنوع، شيمتها الصبر، والاحتمال، وتفويت الفرص على اللاعبين الأذكياء.
فأين نحن من [قانون جاستا]/ [العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي]، المخوِّل لمقاضاة دول عربية على خلفية هجمات الحادي عشر من [آيلول/ سبتمبر].
و[الحذاميون]، و[اللهبيون] المحايدون يكادون يجمعون على أن [ظاهرة الإرهاب]، ليس لها انتماء ديني، ولا جنسي، ولا ظرفي.
هذا هو المستقر في كل الأذهان الواعية، ولكن الأهواء، والمصالح تطمس معالم الحق.
لقد استَوْفَيتُ شطراً من ذلك في فصل كامل من كتابي [أبجديات سياسية على سور الوطن].
من المتوقع أن يَنْسِبَ كاتبٌ لِخَصْمِه الإرهاب، إمعاناً في توهينه، والفَتِّ في عضده، وبخاصة حين يتبادل الخصوم الاتهامات.
أما أن يُنْسَب الإرهابُ من كاتب لوطنه، بل ويَخُصَّ التعليم، وتحفيظ القرآن بصناعته، فذلك ما لا يتوقّعه أحد، حتى السُّوقة. لأن هذا اعتراف صريح أمام عَالَمٍ يتحسس عن مناطات للإرهاب. وكل عاقل يدفعه عن عشيرته.
[المملكة العربية السعودية] بما هي عليه من التزام ديني، وثراء اقتصادي، وتأثير على كافة المشاهد، تعد صيداً ثميناً.
فـ[الغرب] هدفه اتِّباع ملته. وإذلال خصمه. واستغلال خيراته. وحين يعترف مرتزق، أو متحزب، أو رويبضة، أو مهتاج أعزل بأن مؤسسات وطنه التربوية مصدر الإرهاب، يبادر [التغريدة] سبعون ألف عدوٍ، يطيرون بها فرحاً، ويضعونها في مقدمة وثائق الإدانة. لتبدي عنقها من ملفات [جاستا].
هذا المُخَذِّل، المتجني حين يُتَفسَّحْ له، ليقول ما شاء، متى شاء، وكيف شاء. يسْتَعذِبَ الإيجاف بالقلم، واللسان لتشويه سمعة التعليم في بلاده.
وما يدري هذا المتجني أن ما يقوله يَضُرُّ بوطنه، ولا [يعلمن التعليم]. والعقلاء يخشون العبارة المغرضة كخشيتهم الغارة الغادرة. وحصائد الألسن تكب أصحابها في النار على مناخرهم.
مغردان من مجموعة مدخولة في عقلها، مخذولة في علمها، مشكوك في دينها، وولائها لا ينيان في النيِّل من ثوابت الأمة، وشرائح الوطن، ومؤسساته.
أما أحدهما فيقول إن مصدر الإرهاب التعليم، وجمعيات تحفيظ القرآن.
وأما الآخر فيدعو إلى إعادة [حرب السبلة] لتصفية شريحة من مواطنيه الذين يخالفونه في علمانيته:- {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ}.
التعليم يحتضن سبعة ملايين من الطلبة، والطالبات. وكافة رجالات الدولة من مخرجاته، وما علمنا فيهم إلا الخير:- {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}.
و[وقعة السبلة] حربٌ أهلية حسم فيها [الملك عبدالعزيز] مشكلة الإخوان في زمانه.
ثم إنه لم يبدأ الحرب، ولكنه جُرَّ إليها من الخارجين عليه. وَقَبْلَ خوض المعركة استنجد بالعلماء، والأعيان وأوفدهم إلى الإخوان لتفاديها.
ولما لم تكن إلا المواجهة المسلحة ركبها مضطراً. فهي حرب جُرَّ إليها، ولم تكن خياره.
وواقع الأمة اليوم لا يستدعي الفرقة فضلاً عن [الحرب الأهلية]، إلا في أدمغة مريضة مفخخة، وغير مكترثة بالدماء، والدمار، وغير مهتمة بلحمة الأمة التي نفاخر بها.
لقد احتملنا الاستدراج من الأعداء، أما أن يكون من الداخل فأمرٌ في غاية الخطورة.
أعرف جيداً أن التغريدات هراء تكشف عن تفاهة أصحابها على حَدَّ: [تكلم حتى أراك]. والخشية من الأعراض الجانبية، وممن يصطادون بالماء العكر.
ومن ينعم بالأمن، والرخاء، والاستقرار، ومتانة اللحمة الوطنية واجبه التصدي لأي مخالف، سواء كان [سلفياً] ضيق العطن، أو [حزبياً] مشبوه النوايا، أو [علمانياً] مجنداً من الأعداء، أو [ليبرالياً] يمارس العهر الفكري.
الوطن وطن الجميع، إنه سفينة من خرقها غَرِقَ، وأغْرَق.
والزمن لا يحتمل اللجاجات، ولا السفاهات، ولا تصفية الحسابات. الزمن يتطلب الارتداد إلى الداخل، واحتمال الاختلاف المعتبر، وتأجيل المِرَاء، والقبول بأدنى حَدٍّ من القواسم المشتركة.
[الجبهة الداخلية] رهان الأمة، ومن عكّر صفوها، أو فكك تماسكها، فهو عدو لدود. لا مجال لاحتماله، ولا لالتماس المعاذير له.
و[التعليم] مصنع الرجال والنساء، وتشويهه خيانة وطنية. والمواطنون الذين يحرصون على تماسك لحمة الأمة، والالتفاف حول قيادتها، لا يقبلون بأي دعوة حزبية ضيقة العطن.
واتهام المؤسسات التربوية، لتصفية حسابات شخصية. وطلب تصفية المعارضين بالمواجهة العسكرية استعداء سافر على مكتسبات الوطن، وإخلال بالأمن، ودخول في دوامة الفتن.
الوطن من الجميع، وللجميع. ومكتسباته: الحسية، والمعنوية مسؤولية المواطن قبل المسؤول.
وتلك التغريدات لا تعد من مراجعة الأوضاع، ولا من تصحيح المسارات، أو تقويم التعليم. نحن لا نعترض على الناصحين، ولا على المقومين، ولا على الناقدين الذين يكشفون النقص ويقدمون البدائل:- و[الدين النَّصيحة].
وطننا في اللهب، ولكنه بفضل الله برد، وسلام علينا، وعلى قادتنا. فلا مجال للمرجفين، والعققة، وشرذمة الطابور الخامس.
دولة أقامها المؤسس على [الدين الإسلامي] يجب أن تظل عليه. وهي قائمة عليه ما قامت السماوات والأرض.