خالد بن حمد المالك
الحياة مدرسة أو جامعة سمِّها - كما ترى - ففيها نتعلَّم، ومنها ندرك ونستوعب كل ما حولنا، أحياناً نخرج منها بفوائد، وحيناً يغلبُنا الإهمال وعدم المبالاة، والركون إلى حيث لا نرى ولا نسمع، فيكون منا من هذا موقعه، ويتجه الآخر إلى الموقع الذي يناسبه ويرتضيه.
* *
وكلٌّ منا يمر في حياته بطرق مختلفة، وتجارب متباينة، فرحلة الإنسان في حياته تتأرجح بين الفشل والنجاح، وقطار الحياة يأخذ الجميع إلى حيث يكون حق الاستحقاق لهذا أو ذاك، أي بقدر العمل والجهد الذي يبذله كل إنسان، وبما يوازي حجم العطاء، والقدرة على الإبداع، منتظراً التعامل معه بعدل - ربما - وإنصاف.
* *
هكذا هو الافتراض أو المفترض، وقد يجنح قطار الحياة إلى دروب ومواقع أخرى لا يجد الإنسان نفسه يتعايش أو يتصالح معها، ففيها قد يكون هناك ظلم لقدرات وإمكانات وإبداعات البعض، فيما أن هناك تعاطفاً أو حظاً للبعض الآخر، ففي الحياة لا توجد بشكل قاطع معايير وقياسات صحيحة في كل شيء.
* *
ربما كان هذا انطباعاً شخصياً، أو قراءة فردية، لكني اعتمدت في ذلك على ما أسمعه وأراه في تتبع متواضع مني لما يجري حولي في هذا الكون، فلا أرى ما يتناقض مع هذا الاستنتاج السريع أو القراءة - غير العلمية - لهذه الصورة المرتبكة عبر ارتباط الإنسان بحركة الحياة في هذا العالم.
* *
والحياة في ضوء هذه الصورة غير المتكاملة عنها، يتعلّم الإنسان منها كل المتناقضات، من النجاح إلى الفشل، من الصدق إلى الكذب، ويتعرّف فيها أكثر على مسارات اللؤم والظلم والخداع والمكر والنصب والاحتيال وغيرها، ويتفهم فيها الكثير من النبل والشهامة ودماثة الخلق والكرم وغيرها، دون أن تختفي مفردات الحق والشجاعة ونصرة المظلوم والإيثار.
* *
والحياة تعلِّمنا أيضاً القهر والقسوة والظلم وغياب العدالة، وفي مقابل ذلك نتعلم فيها السلوك المتسم باللين والتواضع والإنصاف والقيم والعدالة، ودون أن نغفل أن كل إنسان وما تربى عليه، وأن ما اختاره لنفسه سوف يأخذ من خلاله طريقه فيكون النجاح لهذا والفشل لذاك، بما لا يمكن فهمه بأكثر من أننا نأخذ حظنا في هذه الحياة بقدر ما نتعلمه فيها ومنها.
* *
لا يعني هذا أن كل إنسان أعطي سوف يأخذ بقدر ما يستحقه، ولا أن هناك من لم يحرم مما هو جدير باستحقاقه، فهذا الكون واسع، والتعرّف على كل القدرات وجميع المبدعين، غير ممكن، كما أن إخفاء مبدأ الحظ بما له من تأثير، هو استبعاد في غير محله.
* *
هناك المخلص والخائن، المتعلم والمتعالم، التفوق لهذا عن ذاك في جوانب كثيرة، وهناك الاستمزاج والارتياح والثقة لدى صانع القرار، فيفضل ألفاً من الناس على باء منهم، وفي كثير منها تكون اجتهادات تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى، لكن علينا أن نحسن الظن.
* *
في حياة كل إنسان قصص دامية، وأخرى تجللها السعادة والأفراح، الفشل في الدراسة، عدم التوفيق في الوظيفة، وتجارب فاشلة في التجارة، وربما حتى في الحياة الأسرية، يقابل ذلك تفوق في التعليم، ونجاح في الوظيفة، وإن مارس التجارة فهو مهيأ للنجاح فيها، كما أن حياته الأسرية تتصف بالسكينة والهدوء والاستقرار.
* *
في الحياة الكثير من الدروس والعبر، التجارب والخبرات، التحديات، ما يبهج الخاطر، أو يوغل فيه الأحزان، قلنا شيئاً عن انطباعنا، وتركنا أشياء - وهي كثيرة، - ولكن نقول: العارف لا يُعرّف.
* *
المهم بعد هذه (الثرثرة) ألا نُصاب باليأس، أو الإحباط، وأن نكون أقوياء، سواء استفدنا من تجاربنا أو خسرنا فيها، وعلينا أن نبقى متمسكين بالأمل والتفاؤل، بوصفهما طريق الناجحين نحو المزيد من النجاح، وأن يتذكّر من هم ليسوا هكذا بأن بإمكانهم تصحيح أوضاعهم، والعبور من طريق الفشل إلى آفاق النجاح.