كوثر الأربش
الصادقون غرباء، وحيدون. تلفظهم خارجها الدوائر والفئات والمذاهب والقبائل والتصنيفات كلها. الفكر الحر بحاجة للتأمل أكثر من حاجته للتصفيق. وللفضاء الواسع أكثر من السير وفق سرب ما. إن معاقبة المفكرين بالنبذ أفضل هدية يقدمها الغوغاء لهم. لأنهم حقًا بإمكانهم تحمل قشعريرة الوحدة، أكثر من احتمالهم الاستراخاء في وحل الجهل. بالمناسبة. العقول حين تسترخي تموت!
لهذا كتبتُ هذا المقال، لمن ينوي أن يصبح بطلاً شعبويًا، وليس مفكرًا حرًا. الفرق بين البطل الشعبوي والمفكر: الأول يحرص على تجميع الناس حوله، الثاني يحرص على تجميع الوعي (وإن فرّ الناس من حوله). لماذا لم أقل شعبيًا؟ لأن الشعبية حبيبة الشعوب البسيطة أما الشعوبية هي الضحك على الشعوب البسيطة. المهم، دعوني أبدأ بوضع نقاط محددة تسهل على كل المهمشين أن يبرزوا كأبطال شعوبيين.
أولا: لا تبتكر فكرة. فتش بين الأفكار القديمة عن قالب يحظى بتأييد أكبر فئة من الناس. أقول قديمة وليس أصولية. لأنه في مفهوم الحداثة زمن «الجديد» قصير للغاية، الحداثة تشبه المياه الجارية التي تزيل أمامها كل فكرة تحاول الترسب. خذ مثالاً: قبل سنوات كان هناك شخص (مجهول ربما) فكر في أن وضع المجتمع ليس بخير، وأنه مصاب بالخوف من التغيير، وأطلق عبارة «الله لا يغير علينا» على أعداء التغيير والخانعين للأوضاع الفاسدة. كان وقتها صاحب رؤية متطلعة للتجديد في تلك المرحلة. لكن هذه الفكرة القديمة مازال لها أتباعها رغم أن المرحلة تغيرت فعلاً. كل ماعليك أن تعتنقها، أغفل كل تطورات البلاد التنموية، تناسى كل المبادرات والبرامج الحديثة، أنكر جهود كل المسؤولين الشرفاء، أغمض عينيك عن الوعي الذي أصبحت له مساحة جيدة. اشتم الجميع وانتقد الجميع. وإذا خالفك أحد، قل له أن يخرس وأنه من جماعة «الله لا يغير علينا». أنت بهذا حشدت من حولك الكثير من «النيام» ممن لم يبصروا شعاع التغيير الباهر من حولهم. أكرر التوصية: اشتم كل المؤسسات، وكل المسؤولين واتهمهم بالتقصير. لا تثني على نجاح، لا تشكر أي مجهود. الشعبوية تحب الشتامين والسلبيين.. إذا أحسنت هذا الدور. تكون بدأت مشوار الشعبوية باقتدار.
للمقال تتمة في الأسبوع القادم..