د. جاسر الحربش
أغلب الظن أنّ اختيار كلمة «ترفيه» بمعناها الذي بدأ تسويقه وطنياً، مجرد إسقاط عربي عشوائي على مفردة «انترتينمينت» الإنجليزية، رغم اختلاف الجوهر اللغوي في كلا المفردتين. الترفيه في اللغة العربية اشتقاق من الترف والرفاهية. من الواضح أنّ أصلابنا القدامى الذين أورثونا لغتنا الجميلة كانوا على علم بأنّ من عنده ترف يحتاج إلى ترفيه، ومن لا ترف عنده يحتاج على الأقل إلى ترويح. ومرة أخرى تأسرنا اللغة العربية بكلمة «ترويح» فهي اشتقاق من المصدر راحة أو ارتياح وروح، أي من الشعور بالراحة الروحية بعد العناء البدني والنفسي، وذلك شيء آخر غير الترفيه.
بالرغم من الإسقاط العشوائي أو المقصود لكلمة ترفيه العربية على مفردة انترتينمنت الإنجليزية، إلا أن الاتفاق على الهدف النهائي على ما يبدو موجود. المفردة الإنجليزية «انترتينمنت» أصبحت عند أهلها الأصليين مرادفاً لتسويق الفرفشة مقابل المال. لم تَعُد انترتينمنت تعني الاستمتاع الروحي بأوقات الفراغ بدون مقابل، بل عليك أن تدفع مقابل حصولك على بعض الفرفشة. ولكن إن كنت تريد أن ترتاح نفسياً لا أن تفرفش، فتستطيع الذهاب إلى حفلة عزف بغناء أو بدون، أو عروض إلقاء أو رسم وعرض مواهب في أحد الميادين المفتوحة والحدائق العامة، فتتفرج وتستمتع وتسأل وتعلق وتصفق أو تصفر حسب درجة انسجامك.
يبقى لديك خيار آخر، فأنت تستطيع أيضاً أن تشتري تذكرة بسعر معقول في صالة أوركسترا، أوبيرا، أو في مسرح لمشاهدة عمل موسيقي أو كوميدي أو درامي، لكن عليك هناك أن تلغي مفهوم الفرفشة الترفيهية من تفكيرك. الفرفشة تجدها في برامج الترفيه، أما الاستماع للموسيقى ومشاهدة المسرحيات فهذه لها عندهم مفردة أخرى اسمها الاسترخاء «ريلاكسيشن» أو الاستمتاع «انجويمينت». من يتواجد في أجواء ترفيهية يستطيع التصفير والتصفيق والكلام مع الآخرين بصوت مرتفع وليس بحاجة إلى تأمل أو تفكير. في أجواء الاسترخاء والاستمتاع لكل مشارك جوه الخاص، الانغماس فيما يسمع ويرى، وكذلك التأمل والتفكير حسب قدراته الفكرية والثقافية. الوضع البين بين هو العروض المفتوحة في الميادين والحدائق العامة تحت المشاركة الشعبية وبدون تذاكر ورسوم.
انتهينا من الفلسفة فماذا عن البرامج التي قدمتها هيئة الترفيه السعودية منذ تأسيسها حتى الآن؟. هل هي نشاطات ترفيهية مع ملحقاتها من الصخب والصفير والصراخ، أم هي برامج استرخاء واستمتاع مع إمكانية القدرة الشخصية على التأويل والتأمل، أم هي لا هذا ولا ذاك ؟. الحل الوسط في الميادين والحدائق العامة بدون مقابل مالي ما زال دون الاهتمام النوعي والتنظيمي. لا أستطيع شخصياً الجزم برأي لأنني لم أحضر نشاطاً ترفيهياً واحداً لكني شاهدت بعضه على التلفزيون، وأتمنى الاطلاع على رأي من حضر وشارك.