د. أحمد الفراج
بداية، أعترف بأنني كنت أحد المخدوعين بأبطال الصراخ والشعارات الفارغة، من الزعماء العرب، وليسوا الساسة العرب هم فقط من يفعل ذلك، فهناك ساسة أجانب، عرفوا نقطة ضعف الإنسان العربي، وسهولة انسياقه خلف الشعارات، ولعل الزعيم الإقليمي الشهير خير مثال، فقد استثمر موهبته في التمثيل، ليكسب بني يعرب بالشعارات، وقد نجح فعلياً، حتى أصبح سذّج العرب قطيعاً في ركابه، لدرجة أنهم يفخرون ببلده، ويشتمون بلدانهم، التي يعيشون من خيراتها! فقد وعد هؤلاء السذّج بأنه سيهزم إسرائيل، التي يقيم معها علاقات وطيدة! كما وعدهم بأنه سيهزم الإمبراطورية الأمريكية، التي توجد بها أحد أهم وأكبر القواعد العسكرية الأمريكية! ويلحق بها الإمبراطورية الروسية، التي اعتذر لقيصرها! ثم يقيم دولة الخلافة، التي يحلم بها كل عربي ومسلم، ولا يُلام في ذلك، فقد وجد قطعاناً على أتم استعداد للانسياق خلف أي صاحب صوت عال، أو «مهايطي»، باللغة الشعبية الدارجة.
ذات زمن غير بعيد، لفت انتباهي السياسي البريطاني، جورج قالاوي، الذي كان يتبنى القضايا العربية، فأرسلت له بريداً إلكترونياً لأشكره على مواقفه، وما هي إلا ساعات، حتى وردني جوابه، الذي كان له أثر كبير في تغيير كثير من قناعاتي، إذ لم يتطرق للموضوع الرئيس، بل طلب مني «تبرعاً مالياً»! ولا أدري ما علاقة المال بالتصريحات الرنّانة، التي يطلقها السيد قالاوي بين الحين والآخر، وإن كنت على يقين بأن علاقته بالمناضل المزيف عبدالباري عطوان لها صلة بالأمر، وقد تعمّقت، بعد ذلك، في سيرة قالاوي، فتبيَّن لي أنه من الساسة، الذين كانت تصلهم عوائد مجزية من صدام حسين ومعمر القذافي، ما يعني أنه اعتقد أن كل إنسان عربي هو مشروع تجاري مربح، وهذا يفسِّر طلبه التبرع مني، وأنا الضعيف الذي لا يملك غير لسانه وقلمه، والسيد قالاوي ليس الوحيد، فهناك ساسة غربيون غيره، فهموا اللعبة العربية جيداً، والتي لا تكلِّف إلا الصراخ، وإطلاق الشعارات الفارغة!
لعبة الشعارات، التي تجذب السذّج، ليست حكراً على أهل السياسة، فقد استغلتها جماعات الإسلام السياسي، مثل تنظيم الإخوان، إذ ما على أي داعية إخواني أو سروري مبتدئ يرغب في الشهرة، وما يلحقها من جاه ومال، إلا أن يخرج في برنامج تلفزيوني، ويرفع عقيرته شتماً بالليبراليين والعلمانيين، وقد يتبعهم بالتغريبيين، أما إذا زاد منسوب الحماس، فقد يلحق بهم الماسونيين والصهاينة العرب، وحينها يضمن هذا الداعية مجداً وشهرةً لا يحلم بها، حتى ولو كان لا يعرف ما هو التعريف الحقيقي لليبرالية، وحتى لو كانت شهاداته العليا وهمية، كما هو حال كثير منهم، وهنا لا بد من التأكيد على أن الذنب هنا ليس ذنب المتحدث وحده، سواءً كان سياسياً أو داعيةً، بل يشترك معه الساذج، الذي يسمح لنفسه بأن يكون ضمن القطيع، الذي يهمل عقله، الذي وهبه الله له، وينساق خلف صاحب الصوت العالي، والشعارات الفارغة، حتى لو كانت هذه الشعارات ضد وطنه، وإنه لأمر محبط أن تمر السنون والعقود، والإنسان العربي ما زال كما هو، منذ خمسينات القرن الماضي، ينساق خلف شعارات فارغة، لن يجني من ورائها إلا الخيبة والخسران!