د. محمد بن يحيى الفال
تباشير عودة العراق إلى محيطه العربي بدأت تلوح في الأفق وبوتيرة متسارعة معلنة بداية صفحة جديدة طال انتظارها لعودة الود والثقة والتعاون البنّاء بينه وبين أشقائه، والتي انقطعت لردح من الزمن لأسباب سياسية في جُلها عانى فيها العراق وشعبه من آفة الإرهاب التي قوضت الأمن والسلم في هذا البلد العزيز على كل عربي من المحيط إلى الخليج. ونرى شواهد هذه العودة التي أفرحت الجميع من خلال دعم المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لحكومة العراق والتي نراها واضحة للعيان من خلال تأكيد المملكة على وحدة كافة المحافظات العراقية تحت راية الدولة الاتحادية في بغداد ودعم المملكة لكافة الجهود التي بذلتها الحكومة العراقية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي الذي استباح أرض الرافدين بجرائم مروعة جعلت العراق يعيش في دوامة لا تنتهي من الرعب وفقد الأمان نتج عنها تشريد للعباد وخراب البلاد. وبعد القضاء على البنية الأساسية لتنظيم داعش الإرهابي وفرض سيطرة الدولة على أغلب المناطق التي كانت مسرحاً لجرائمه الشنيعة ضد المدنيين الأبرياء، كان لزاما أن تبدأ الدولة العراقية في بناء ما دمره الإرهاب وهي مهمة تحتاج لجهد وصبر وعزيمة وقبل ذلك إرادة سياسية ناضجة مؤمنة بحقوق كافة المواطنين العراقيين باختلاف مذاهبهم وطوائفهم وهو الأمر الذي يبدو بأن رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي قد وجد فيه ضالته وبأنه الطريق الوحيد بل الأوحد لخروج العراق من أزماته السياسية والاقتصادية وقبل ذلك وأهمه أزمته الأمنية، حيث لا استقرار أو نمو لأية دولة بدون أمن، والذي على أساسه تتعزز التنمية وتنمو. عانى العراق ولسنوات عديدة من التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية وكانت نتائج هذه التدخلات عميقة وعنيفة وقوضت السلم الأهلي للمجتمع العراقي ولم تنشر سوى الفوضى والطائفية المقيتة التي لم يكن يعرفها العراقيون طوال تاريخهم، وكان للحكومة العراقية السابقة دور محوري في تأجيجها مما جعل البلاد تعيش في عنف مستمر، ما أن يستقر فيه الوضع الأمني في بقعة حتى يستعر في أخرى. التجارب أثبتت للساسة في العراق أن حساباتهم بالشراكة مع الطرف الخطأ لنهضة ونمو العراق كانت خاطئة جملة وتفصيلاً، وبأن العراق الذي أنهكته الحروب والجماعات الإرهابية لا يمكن له النهوض من كبوته وعودة الأمن والاستقرار إلى ربوعه إلا من خلال العودة إلى فضائه العربي الذي يتحسسآلامه ومعاناته ويسعى بصدق نحو تقديم كل ما يلزم لمساعدة العراق في النهوض مجدداً ليقدم الصورة الحقيقة التي يعرفها العالم عنه كمشعل لأقدم حضارات الإنسانية، حضارة أرض الرافدين، دجلة والفرات(Mesopotamia). وكما يقول المثل الشائع بأنه من رحم المعانة يولد الأمل، ومن قلب المأساة يولد الفرج، فالمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تمد يدها للأشقاء في العراق لتقديم المساعدة له للخروج من أزماته ولبناء شراكة حقيقية بين البلدين لتعاون يصب لمصلحتهما ومصلحة شعبيهما وليكون مثالاً يحتذى به في التعاون بين الدول العربية، ولقد جاءت دعوة رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي لحضور فعاليات مجلس التنسيق السعودي العراقي لتصب في هذا الاتجاه ولدفع التعاون بينهم نحو أفق أرحب ملأى بالتفاؤل ويحمل الكثير والوفير من الفرص التي لا تحصى لتعاون بناء ستكون نتائجه سريعة ومرئية للجميع، كونهما يحظيان بكل الأسس والإمكانيات الواجب توفرها لبناء شراكة اقتصادية بين بلدين. ولعل من أهم الأسس هو أن شعبي البلدين كما هي قيادتهما يتطلعون لهذا التعاون ويرون فيه مستقبلا مشرقا، ونري ذلك واضحاً فيما تم تناوله على الفضاء الإلكتروني في ساحات التواصل الاجتماعي من فرح بخبر هبوط أول طائرة تابعة للخطوط العربية السعودية في مطار بغداد الدولي وذلك بعد غياب استمر لسبعة وعشرين عاماً، وكذلك وصول وفد تجاري سعودي مكوّن من 60 شركة سعودية للمشاركة في فعاليات معرض بغداد الدولي، ومن صور وصول الطائرة والوفد التجاري نرى حرارة الاستقبال الشعبي والرسمي للوفد التجاري السعودي والتي تعبر عن مشاعر صادقة وأخوية يحملها كلا الشعبين لبعضهما. ومع هذه البدايات المشجعة للغاية لتعاون مثمر سعودي عراقي في كافة المجالات، فمن نافلة القول التذكير بأن معاناة العراق لم تكن غائبة مطلقاً وفي أي وقت من الأوقات عن قيادة المملكة وشعبها وكانت تسعى دوماً نحو تقديم كل ما بوسعها من جهود للتخفيف من الأزمات التي تعرض لها الشعب العراقي الشقيق، ومن هذه الجهود منحة 500 مليون دولار التي قدمتها المملكة للتخفيف من معاناة الشعب العراقي إبّان اشتداد الهجمات الإرهابية التي تعرض لها من تنظيم داعش الإرهابي.
إن التعاون الحالي بين كل من المملكة والعراق من خلال مجلس التنسيق ينظر إليه كانطلاقة في غاية الأهمية نحو صفحة جديدة بين البلدين لتعاون وثيق آن أوانه في كافة المجالات ستكون نتائجه ليس فقط في مصلحتهما بل في مصلحة التعاون العربي المشترك ليعود فيه العراق لفضائه العربي معول خير ومشعل نور بعيداً عن التحالفات والشراكات التي لم يجنِ منها العراق وشعبه سوى الدمار والخراب الذي أنهك الجميع.