عمر إبراهيم الرشيد
تُعرف الطفرة في اللغة بأنها الزيادة المفاجئة والتطور أو الانتقال السريع من حال إلى حال. على أنها ليست محصورة في مجال بعينه، فهناك الطفرة الاقتصادية، الاجتماعية، الطبية والعلمية .. الخ. هذا المصطلح من أكثر التعابير والمصطلحات تداولاً لدينا على المستويين الرسمي والشعبي، بالنظر إلى النقلة التنموية والاقتصادية على إثر ارتفاع أسعار النفط عالمياً منتصف السبعينات الميلادية، وبالتالي ارتفاع مداخيل المملكة ووفرة خزينتها المالية، فتم اعتماد وتنفيذ مشاريع البنية التحتية وفتح المجال لقطاع المقاولات المحلي والعالمي، وجلب اليد العاملة من الخارج للمساهمة في عملية التشييد في مختلف القطاعات، فكانت الطفرة الأولى. على أنه عند إطلاق هذا المصطلح فإنه يشمل المجالين الاقتصادي والاجتماعي، فالأول أثّر في الثاني تأثيراً كبيراً ماتزال معظم معالمه باقية، وليس هذا مقام مناقشة تلك التأثيرات، على أنّ الطفرة تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية كأي شأن آخر يتعلق بالجهد البشري، فليس الأمر حكراً علينا دون سائر البشر.
ضخامة الورشة التنموية في المملكة على اتساع مساحة البلاد وسرعة وتيرتها، والتي لم تأخذ التدرج والنواحي الاجتماعية في الحسبان، تركت آثاراً اجتماعية وبيئية واضحة، تعمل الخطط والبرامج الإصلاحية الاقتصادية والاجتماعية الحالية (برنامج التحول الوطني والرؤية 2030)، على التخلص من تلك الآثار وتحفيز الإنتاج وروح الابتكار، وتمكين المواطن والمواطنة على السواء من المشاركة الفعلية والنوعية في العملية التنموية. الطفرة الأولى استمرت لما يقارب السبع سنوات بدءاً من منتصف السبعينات كما قلت، ثم هدأت بعد ذلك نتيجة انخفاض أسعار النفط. ومعروف أنّ المملكة مرت بتحديات سياسية واقتصادية غير عادية فترة الثمانينيات من القرن الماضي، فالحرب العراقية الإيرانية ودعم القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الإقليمية كلفت المملكة اقتصادياً، وأثّر على وتيرة التنمية فيها، لكن مراعاة الواجب ومساندة من هو بحاجة الدعم والعون سياسة ثابتة لبلد الخير والعطاء. إنما تقتضي الموضوعية مراعاة عوامل أخرى غير العامل الاقتصادي وعملية التعمير في التأثير الاجتماعي، وهي موجة التطرف والإرهاب التي بدأت في اقتحام الحرم المكي الشريف غرة محرم عام 1400، وتهديد الآمنين والسِّلم الاجتماعي بشكل عام، حتى مكّن الله قوات الأمن منهم لتعيد الأمن لحرمه. أما الطفرة الثانية فقد بدأت عام 2000 فتصاعدت تدريجياً حتى وصلت أوجها خلال عشر سنوات تقريباً من ذلك العام، مع تعاظم أسعار النفط بشكل غير مسبوق وارتفاع مداخيل المملكة تبعاً لذلك، مما خلق أضخم ورشة تنموية في المنطقة وربما العالم بدون مبالغة، ومعها تحديات هائلة متوقعة بطبيعة الحال، لعل أهمها إدارة هذه الورشة العملاقة وجودة الإنفاق والتنفيذ.
ولا يمكن للاقتصاد أن يستمر على حال واحد من الوفرة أو عدمها، كأي شأن في هذه الحياة وأي جهد بشري مجبول على النقص لا الكمال وهو لله تعالى وحده. فبعد بلوغ أسعار النفط مستويات غير مسبوقة كان لابد للعجلة الاقتصادية أن يهدأ دورانها وتتباطأ، وبالتالي يهدأ معها هدير الورشة التنموية الأكبر في المنطقة نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة مقارنة بالقترة القريبة السابقة. وهنا تبدأ المملكة ما يمكن تسميته مرحلة التغيير والتجديد لما اعتادت عليه الدوائر والمؤسسات الحكومية، من ناحية العقلية الإدارية والتنموية والمالية، مروراً بالنظم والقوانين الإدارية، وصولاً إلى النواحي الاجتماعية ... وللحديث بقية.. إلى اللقاء.