عبدالعزيز السماري
من علامات الاستقرار في المجتمعات أن يصل الفرد إلى مستوى الوعي المدني، وهو وعي يرفع من قيمة الخير العام أو المصالح المشتركة، التي تعبر عنها مبادئ سيادة القانون وحقوق الفرد وعدم تقاطعها مع المبادئ العليا للوطن، فالغاية الأسمى أن ينعم الجميع في الاستقرار وتحت سقف متساو من الحقوق والمشاركة في تنمية أوطانهم.
غالبية الناس في المجتمعات المستقرة همهم الأول الاستقرار ومستوى آمن من المعيشة وسيادة القانون على الجميع بدون تفرقة، لكن هناك ما يعكر هذه الرغبة الجماعية الملحة، وهي تلك الفئات التي تحاول فرض رؤيتها الخاصة على الجميع، وهي طريقة غير مباشرة لإحكام السيطرة على مصالح الناس وحرياتهم.
الوعي المدني أن لا تفكر من خلال عقل طائفي، يقصي مخالفيك في قضية الحقوق العامة، والمجتمعات في الشرق العربي تمر في حالة وباء طائفي، ويكاد يمزق مجتمعاتهم في صور مروعة، وقد نحتاج إلى معجزة ثقافية لتجاوزها خلال عقد من الزمان.
الوعي المدني أن لا تكون هناك فئوية وتفرقة في المصالح وفرص المشاركة بين منطقة وأخرى، فالفئوية وإن شئت العنصرية تظهر مهما حاول أيا كان أن يخفيها، ومن الوعي العام أن تكون فرص المشاركة مبنية على الكفاءة والقدرة على الإنجاز بغض النظر عن اللون والعرق والفئة.
الوعي المدني أن لا يكون الخطاب العام ذكورياِ خالصاً، يجعل من النساء مواطنات من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولكن يكون إنسانياً بكل ما تعنيه الكلمة، بمعنى أن تختفي منه تلك النبرة السلطوية في خطاب الذكر الذي يرى فيه دونية المرأة أو نقصها عقلاً وبدناً عن الرجل.
الوعي المدني أن يكون للتكافل الاجتماعي مهمة أساسية في المجتمع، ويكون بذلك برفع كفاءة التأمينات أو الضمانات الاجتماعية من أجل وضع الحدود الدنيا لحالة الفقر والعوز ، وأن تكون مهيأة لحماية المسنين والفقراء من التهميش في ظل جولات الصراع الطبيعي بين الناس من أجل الكسب المعيشي وتكوين الثروات.
الوعي المدني أن لا تعتقد أنك أفضل من غيرك عرقياً أو طائفياً، لأن ذلك يفتح أبواب الفساد والتسلط من أكبر أبوابه، فالله عز وجل خلقنا جميعا متساوين، لكن نتفرق لاحقاً بسبب أوهام النخبوية أوالوضاعة التي خلقتها ظروف الاقتصاد والسياسة والطائفية.
الوعي المدني أن تسود مسألة العدالة، وتعني عدم الانحياز لأي أمر ما، وهي رؤية إنسانية للمحيط الذي يعيش فيه کل فرد شرط أن ينظم هذه الرؤية قانون يسود على الجميع بدون استثناء، فالعدالة سبب رئيسي للتعايش بين الأغنياء والفقراء في مجتمع واحد، وهي ميزان الأخلاق العامة، فمن خلال تحقيق العدل تترفع نسب التعامل من خلال الأخلاق الحسنة..
الوعي المدني أن تكون حقوق العمل و التعليم والعناية الصحية حقاً عاماً للجميع، و أن يكون للفرد حق إكمال تعليمه العالي إن أراد ذلك، وأن ينال فرصاً متساوية مع الآخرين عند البحث عن عمل في مراكز حلول البطالة..
الوعي أن لا يكون هناك ثقافة أو أيدولوجية متسلطة، وأن يكون الفكر أو الثقافة أمراً متاحاً للجميع، لكن بشرط أن لا تُستغل للانقسام والعنف أو لإفساد السلم الاجتماعي من خلال التنظيم السياسي المناهض لوحدة الوطن..
الوعي المدني أن تختفي عبارات التخوين والتفكير في الخطاب الثقافي والإعلامي، والتي تعتبر مستنقعاً خصباً للإقصاء والفرقة في المجتمع الواحد، وقد كانتا رأسي حربة الصراع في المجتمع العربي خلال العقود الماضية.
فالمؤدلج دينياً يرمي مخالفيه بالكفر من أجل أن يفرض سلطته على الجميع، والمؤدلج بمصالحه الخاصة يستخدم التخوين لإبعاد الآخرين عن الدوائر الضيقة للمصالح والسلطة في محيطه الصغير.
من أجل أن نصل عربياً إلى هذه المرحلة سنحتاج إلى عقود متواصلة من الاستثمار في التعليم وثقافة العمل، وهما قادران إن تحققت نسباً عالية منهما في إيصال المجتمعات والأوطان العربية إلى شواطئ الأمن والاستقرار والعدالة.
والله ولي التوفيق