لبنى الخميس
لطالما تساءلتُ كيف يصل القادة في عمر مبكر لأوج تألقهم؟ وكيف تلفت سنوات خبرتهم الثرية بالرغم من صغر سنهم أنظار القادة؟ كيف هم؟ كيف يفكرون؟ وكيف يقودون الفرق؟ وكيف يصنعون التغيير في مؤسساتهم والعالم؟
وإذ بأقداري تضعني متدربة تحت إدارة قيادي، يُدعى عبدلله بن طوق، فور تخرجي من الجامعة؛ لأجد أجوبة لطالما بحثتُ وتقصيتُ عنها.. جسدت أمامي وصفة مميزة للقيادة والتأثير.
فبالرغم من أنه لم يتجاوز الثلاثين وقتها إلا أنه كان مديرًا لقطاع الريادة والتميز الحكومي في مكتب رئاسة مجلس الوزراء قبل أن يتم تعيينه قبل عام ونصف العام مديرًا عامًّا للمكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي يعد صندوق الأفكار الريادية والإبداعية لمدينة دبي.
مسيرة الصعود لم تتوقف، وتلك النجاحات المتميزة في حصد المناصب وتحقيق الإنجازات لم تكن إلا البداية؛ إذ أعلن الشيخ محمد بن راشد قبل أيام حزمة تعيينات جديدة تجديدًا للدماء، وتحفيزًا للتغيير، واستعدادًا للمستقبل، ومنها تعيين معالي عبدلله بن طوق أمينًا عامًّا لمجلس الوزراء؛ ليكون بذلك أصغر قائد يتولى هذا المنصب منذ اتحاد دولة الإمارات.
تعلمتُ من معاليه الكثير، واستلهمت من قصته العديد من العِبر والدروس، منها أنك إذا كنت ترى في المخاطر فرصًا فأنت قائد، وإذا أعطيت واجتهدت فستكافئك الحياة بأصدق العطايا والفرص، وإذا مكنت فريق عملك ووثقت بقدراته فستصنع بجانبك جيشًا من الأسود، لا خلفك قطيعًا من التابعين، وأنك إذا تعثرت أثناء القيام بأشياء عظيمة فقم بأشياء بسيطة بصورة عظيمة، وأن القيادة ليست كرسيًّا فاخرًا أو منصبًا رفيعًا في هيكل المؤسسات، بل شخصية وخصالاً مميزة، وعملية بناء وتعلم مستمرة، والأهم أن الوظيفة ليست بابًا محدودًا للرزق بل بوابة ملهمة لتغيير العالم!
بقدر حزني على رحيله بقدر فخري العميق بأني بدأت حياتي المهنية تحت إدارته، وحملت من تجربته الكثير من الدروس والذكريات، أذكر منها تواضعه الجم. فقبيل إطلاق أحد المشاريع الكبرى بساعات اضطر فريق العمل للبقاء لساعة متأخرة في المكتب، وإذا به يغيب لدقائق، ويعود مع أحد الموظفين الذي كان يعاونه على توزيع أكواب القهوة الساخنة على المتأخرين بعد أن أعدها هو بنفسه، مجسدًا صورة راقية للتعاون والتواضع.
ولا أنسى تلك المحاضرات التي كان يلقيها على الموظفين كل فترة طامحًا لترسيخ ثقافة التعلم، والاستفادة من التجارب، كان أجملها محاضرة حول المبدأ الأول في الأخلاق للفيلسوف إيمانيول كانت، عن المنفعة المتعدية أو «الإيثار»، ودوره في خلق الأثر وصنع التغيير وتجاوز المنفعة الذاتية المحدودة إلى رحاب المصلحة العامة للموظفين والعالم.
أخيرًا، فخورة بأنك كنت وستظل ملهمي ومعلمي.. وأهنئ الإمارات والعالم برجل وضع الله فيه الكثير.. فمنح من حوله أكثر..
شكرًا عبدلله بن محمد بن طوق.