د.عبدالعزيز العمر
تشتكي كل دول العالم من مرض البطالة، وإن بدرجات مختلفة. مرض البطالة إن لم يعالج في بداياته وقبل أن يتفاقم فسوف ينخر حتماً في جسد المجتمع ويعطل طاقات وقدرات أفراده الكامنة، ويصيبه بالهزال التنموي، بل أن هناك من وصف البطالة بأنها (قنبلة موقوتة) تهدد أي مجتمع في أي لحظة.
ويمكن حصر أطراف أزمة البطالة التي تؤرق كل الحكومات في أربعة أطراف وهي: أجهزة التوظيف وسياساتها (سوق العمل)، ومؤسسات التعليم والتدريب وبرامجها، والفرد نفسه وطموحاته وقدراته، وأخيراً أجهزة الرقابة العليا. عندما تصل معدلات البطالة إلى مستوياتها الخطرة (غالباً أكثر من 10 %) فإن الخلل عندئذ تتحمله أي من هذه الجهات الأربع أو جميعها. سأتحدث هنا تحديداً عن مؤسسة التعليم والتدريب باعتباري أنتمي إليها مهنياً. من المؤكد أن الجامعات تتحمل جزءا من مسؤولية تصاعد أزمة البطالة بسبب تقادم برامجها وعدم مواكبتها للمستجدات، ومما أسهم في تعزيز دور الجامعات في تغذية أزمة البطالة وجودها في وسط تنظيم إداري ومالي يكبل حريتها واستقلاليتها الأكاديمية، ويقيد من المساحة المتاحة لها لتتخذ القرار، ولعل نظام الجامعات الجديد الواعد الذي يتم طبخه حالياً على نار هادئة يمنحها الفرصة لتكون جامعات منتجة تساهم بوضوح في التنمية الوطنية. إن مما يثار أحياناً دائماً ضد الجامعات هو انفصال برامجها وخططها عن حاجة سوق العمل من الأفراد المهرة واشباه المهرة، وهذا صحيح إلى حد ما. ولكن هنا يجب أن نوضح أن إصلاح برامج الجامعات يتطلب في المقابل إصلاح سوق العمل، فمن الصعب على الجامعات أن تعد مخرجاتها التعليمية لسوق عمل مشوه، يحتاج أول ما يحتاج إلى النزاهة والاختيار المهني العادل للداخلين إلى سوق العمل.