مندل عبدالله القباع
جريًا على عادتي.. في صيف كل عام، فقد أخذت أتردد على ذلك المركز التجاري السويسري الضخم: (شيفان دي بوجيه)، الذي يخدم زبائنه - كما يقولون - من (الإبرة) إلى (الصاروخ).. منذ الأيام الأولى من استقراري في (ديفون).. حتى أحصل على نسختي من تلك الصحيفة العربية، التي تكرِّس صفحة يومية من صفحاتها لما تقوله وتتداوله صحافة وكتاب المعارضة المصرية.. اعتقادًا مني بأني سأجد عليها من الأخبار والموضوعات والتعليقات ما لا أجده في صحافة مصر (القومية).. فلم تخيب لي أملاً من خلال تواصلها اليومي.. في إمدادي بعشرات العشرات من الأخبار المهمة والحساسة، وذات المغزى.. بدءًا بأخبار (العاصمة الجديدة)، التي يحيط بها «سور» وبوابات لـ(التدقيق الأمني).. التي لم تستقبل فكرة إنشائها بذلك الاستقبال القومي، الذي استقبل به مشروع توسعة قناة السويس أو (قناة السويس الجديدة)، الذي تم تمويله شعبيًا بـ(ثمانية مليارات جنيه) في سبعة أيام، فـ(المصريون) في ظل ظروفهم الاقتصادية الحالية الطاحنة.. لم يعودوا في وادي الاحتفال بإقامة عاصمة جديدة.. أو بـ(حفل افتتاحها).. فالذي يشغلهم هو (لقمة العيش).. وجنون الأسعار الذي أصاب كل شيء.. حتى الدواء والعلاج.. إلى جانب: (القفشات)، والرسوم الكاريكاتورية التي لا تخلو منها صحف المعارضة أو الصحف المؤيدة بحد سواء.. كذلك الكاريكاتير، الذي كان يحتج فيه (خروف) تم شراؤه بمناسبة العيد.. قائلاً لمن اشتراه: (الموظف ما يعرفش يجيب كيلو لحمة.. وأنت شاري خروف؟! فين الجهة الرقابية؟!)، أو الكاريكاتير الآخر.. الذي يقول فيه الطبيب لمريضه بعد فحصه: (بلاش تتفرج على الأخبار.. علشان «القلب»! وبلاش تتفرج على الأسعار علشان.. «الضغط»! وبلاش تروح أي مصلحة حكومية.. علشان «المرارة»!؟).
لكن.. إلى جانب هذه الأخبار المحلية، والرسوم الكاريكاتورية، والغمزات التي تمتلئ بها صحافة المعارضة التي ليس بالضرورة أن اتفق مع جميع ما ورد فيها.. لا أنها تهدف في النهاية لـ(معالجة) الأوضاع الاقتصادية الطاحنة.. كانت هناك أخبار تتحدث عن (الرئاسة المصرية القادمة)..؟! واحتمالاتها.. خاصة أنه لم يبق على دورة إجرائها في شهر مايو القادم.. سوى بضعة أشهر.. ستنقضي في غمضة عين كما انقضت السنوات الأربع الأول من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكانت قد سرت أخبار تتحدث عن الرئاسة المصرية والمخاوف عليها من احتمالات تعثرها في دورتها القادمة.. إِذ تنادى بعض الإعلاميين الفضائيين وبعض أعضاء البرلمان بـ(فكرة) تعديل الفقرة الخاصة بسنوات حكم الرئيس.. من أربع سنوات إلى خمس أو إلى ست سنوات.. كما كان عليه الحال فرنسيًا أيام حكم الرئيس جاك شيراك، إلا أن آخرين انبروا ليعارضوا فكرة التعديل نفسها.. ليرد عليهم آخرون: بأن الدستور ليس قرآنًا.. يَحرم تعديله..! بينما الحالة المصرية.. تستوجب هذا التعديل حتمًا.. فـ(السنوات الأربع) التي أقرها المستشارون - من لجنة الخمسين - لكتابة دستور 2014 م بـ(القياس) على أعظم الدساتير الأوروبية والأمريكية، وأكثرها ديموقراطية - الذي جرت بموجبه الانتخابات الرئاسية المبكرة السابقة.. ليست كافية لأي رئيس مصري كي ينجز خلالها شيئًا، ولكنها حتمًا.. كافية لأي رئيس أمريكي، أو ألماني.. أو حتى (فرنسي) مثلاً.. فـ(الجهاز البيروقراطي المصري)، الذي يفترض أن يتولى مسؤولية الإنجاز ولو إداريًا.. ما يزال هو هو بـ(ضخامته) وتعقيداته وكثرة أوراقه وكثرة التواقيع عليها، وهو ما يعيق سرعة الإنجاز.. حتى ولو عمل (الرئيس) طوال ساعات يومه (الأربعة والعشرين).. بلا راحة وبلا توقف..؟!
وفي كل الأحوال.. ومع يقيني.. بأن الأربع سنوات غير كافية للدورة الرئاسية الواحدة في مصر، فإن الأمر في مصر اختلف بعد ثورة الثلاثين من يونية التصحيحية التي استردت (مصر) من عصابة الإخوان.. التي أعادتها إلى حضارتها وتاريخها وثقافتها وفنونها وآدابها، وبرلمانها و(رئاستها) التي كانت وكأنها على موعد معها.. فقد كان الشارع المصري يهتف بملء فمه - وقتها - : (السيسي.. هوه رئيسي)؟! وهو ما كان.. لينجح الرئيس عبدالفتاح السيسى بـ(إخلاصه) ووطنيته ومصريته في (ملفي): الأمن والتنمية.. وليتعثر في ملف (الاقتصاد)، إلا أن مصر - وفي ظل هذه الظروف الملتهبة دوليًا - تحتاجه بـ(التعديل) أو بـ(انتخابات) - لا خوف منها - لدورة ثانية.. حتى تستقر مصر والمنطقة.. وتنطفئ نيرانها الكامنة تحت الرماد، بأمل أن تقف دول التحالف مع مصر.. في ملفها الاقتصادي المتعثر، الذي عبر ويعبر عنه هذا الهبوط الحاد في قيمة العملة المصرية.. الذي لم تشهده في حياتها قط..!)..