ياسر صالح البهيجان
رغم أهميّة الصناعة السينمائية في تشكيل ذهنية المجتمعات الإنسانيّة الحديثة، وجعل أفرادها أكثر قربًا من نمط الحياة المعاصرة، إلا أن البيئات المحافظة لا تزال متوجسة من محتوياتها التي قد تُصادم قيم المجتمع وأخلاقيّاته، وذلك ما تنبه له المنتجون، واتجهوا إلى صناعة أفلام تناسب الأسرة تحت مسمى «السينما العائلية».
لا ننكر بأن ثمة إنتاجات سينمائية جريئة وتتجاوز الخطوط الحمراء أحيانًا، لكن التعميم ليس سلوكًا حميدًا، ولا يمكن أن نغفل إيجابيّات أفلام كثيرة تتضمن قيمًا إنسانيّة سامية كالحب والتسامح والتعايش المشترك، أي أن بإمكاننا ممارسة نوع من الانتقائيّة الإيجابيّة واختيار ما ينسجم مع طبيعة مجتمعنا دون أن نقصي السينما برمتها، إذا ما علمنا بأنها وسيلة معرفة وترفيه لا تختلف عن غيرها من الوسائل كالهاتف المحمول والتلفاز.
أعتقد بأن إنشاء هيئة مستقلة تنضوي تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام تُعنى بتنظيم القطاع السينمائي، وتضم نخبة من التربويين والمتخصصين من شأنها أن تبعث الطمأنينة لدى بعض المتوجسين من خطوة افتتاح دور سينمائيّة في المملكة، وهي الخطوة التي تتماشى مع مساعي إيجاد بيئة ترفيهيّة آمنة تتواءم مع طبيعة المرحلة الحالية.
وأقترح أن تُسند المهمة بادئ الأمر لهيئة الترفيه بالتعاون مع وزارة الثقافة وبالتنسيق مع المجمعات التجاريّة الكبرى في المملكة، ويجري تخصيص قاعات سينمائيّة داخلها تعرض أفلامًا تتسم بالمحافظة في فكرتها ومشاهدها التمثيليّة، مع التركيز على الأفلام الهادفة والممتعة الموجهة إلى الأطفال والشباب، وأن تُشكّل لجنة رقابية تضع ضوابط الاختيار وفق معايير تأخذ بعين الاعتبار أخلاقيات مجتمعنا وعاداته وقيمه.
السينما الهادفة ستصنع جوًا ترفيهيًا مميزًا في المجمعات التجارية، وستتحوّل الأسواق إلى وجهة سياحيّة وترفيهية تتجاوز كونها أماكن لشراء السلع والبضائع، لتصبح محطة لتغذية الفكر والحث على التأمل والتخيّل الإيجابي، وستمثل حتمًا نقلة نوعيّة في قطاع الترفيه بالمملكة، خصوصًا وأن حجم السعوديين الذين يشاهدون الأفلام السينمائية في الدول المجاورة ضخم جدًا، ويؤكد تعطش مجتمعنا لمثل هذا النوع من الوسائل الترويحيّة في زمن الصورة.
القطاع السينمائي ينتظر سن الضوابط والأنظمة واللوائح، وهو من القطاعات الترفيهية الواعدة، كما أن نموها سيعزز من إمكانية نجاح الصناعة السينمائية المحليّة، ومن شأنها أن تحفّز المواهب الشابة إلى الإبداع وإنتاج أفلام سعوديّة تنقل ثقافتنا إلى الآخر، في الوقت الذي تتيح لنا المجال لنتعرف أكثر على المجتمعات الأخرى ونردم الهوة الثقافية والمعرفية فيما بيننا وبينهم.