يوسف المحيميد
لم يعد الإعلام السلطة الرابعة فحسب، بل أصبح يقود المجتمعات ويوجهها خاصة بعد السطوة الهائلة للإعلام الجديد، وقدرته على الدخول في أجهزة الهواتف الذكية، والحضور ليس اليومي، كما الصحافة التقليدية، وإنما اللحظوي في حياة الكثير من الناس، مما يعني أهمية الدقة في اختيار الكلمات والعبارات عند صياغة الأخبار الصحفية، وعند تناقلها بين الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي.
ظللنا لسنوات طويلة نتحفظ كثيرًا على أسماء الأشخاص والشركات المفروضة عليها العقوبات، رغم أن جزءا من العقوبة في دول العالم التشهير بالشركة أو المؤسسة أو الشخص المخالف، وحين تخففنا من التحفظ غير المبرر، وأصبحنا نعرف الأشخاص والشركات الموقعة عليهم العقوبة، أخفقنا في صياغة الأخبار، واستخدمنا كلمات قاسية في العقوبة من قبيل: تم القبض على فلان، مع أن من المعتاد في مثل هذه الأخبار، خاصة مع رجال أعمال أو وجهاء، استخدام كلمات معبرة لكنها أقل ضررا، من قبيل تم إيقاف، واستجواب، وما إلى ذلك.
لقد تغيرت لغة الإعلام كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية، في كثير من دول العالم، وافتقدت حس الرقي والدبلوماسية، ومع أن الإعلام يبحث عن الإثارة وجذب القرّاء، إلا أنه في الوقت نفسه يحترم هؤلاء القرّاء، ويقدم لهم الأخبار بشكل أكثر وعيًا واحترافية، بل ويراعي الذوق العام، وهو ما يفتقده الإعلام الجديد، منذ بدء نشر الصورة المأساوية، وصور الحروب، والقتل، الدمار، وما شابه ذلك.
إذا كان الإعلام يحتاج إلى التجديد في خطابه منذ سنوات طويلة، فهو اليوم في أشد الحاجة إلى تهذيب هذا الخطاب، كي ينتج لنا مجتمعات متقدمة تراعي الذوق العام، وتتخذ السلوك الجيد طريقا لها في التعامل اليومي، فهذا السلوك والتعامل هو انعكاس مباشرة للخطاب الإعلامي المستخدم، فكلما كان راقيًا وواعيًا ومسؤولاً، كانت الشعوب مماثلة له في الرقي والوعي والمسؤولية.