«الجزيرة» - جنان الشايع:
عُرفت الشركات التجارية على اختلاف مجالاتها باستخدام المشاهير وجوهًا إعلانية لمنتجاتها أو خدماتها، فكانت ترسم سيناريو محكماً تتبعه الشخصية المشهورة في الإعلان، وقد يستغرق ذلك أيامًا من العمل المتواصل لإنتاج مقطع فيديو مدته ثلاثون ثانية أو صورة فوتوغرافية بتعديلات ومؤثرات تتوافق مع القيمة الإعلانية للمنتج حتى يشاهد على المحطات التلفزيونية، صفحات الجرائد، أو اللافتات الإعلانية في الأماكن العامة. ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي استحدث نمطًا إعلانيًا جديدًا غيّر من الطبيعة الإعلانية السائدة واتجهت إليه كثير من الشركات التجارية الكبرى، فأصبح حساب المشهور على هذه المواقع منصةً يتابعها مئات الآلاف بل الملايين أحيانًا ما يعني قوة في التأثير وسرعة في الوصول، لينتقل بعدها «السيناريو الإعلاني» إليهم بعد أن كان بيد العلامة التجارية.
أرقام فلكية
وبالرغم من تنوع تطبيقات التواصل الاجتماعي بين تويتر، انستقرام، فيس بوك إلا أن تطبيق السناب تشات يحصد مبالغًا هائلة نظير الإعلانات التي يعرضها سواء عن طريق «الفلتر» أو اللقطات المباشرة بين حسابات المستخدمين، حيث بلغت إيراداته من الإعلانات العام الحالي بين 500 مليون و بليون دولار حسب إحصائية نشرها الموقع التقني The verge. أما من ناحية أعداد المستخدمين ففي إحصائية نشرها موقع saudigazette ظهرت المملكة العربية السعودية كأكثر دولة في العالم تملك مستخدمين نشطين بلغ عددهم 8.2 مليون مستخدم يوميًا على «سناب تشات»، ما يعد عامل جذب للشركات والمنشآت التجارية. ويفسر سالم البركاني مختص الإعلان والحملات التسويقية أن قرب التطبيق من الناس جعل المستخدم السعودي يفضله عن غيره، فالاتصال المباشر والإحساس بالجمهور يولد ردود فعل مباشرة أيضًا، وأضاف: «من حق مشاهير السناب تشات استخدام منصاتهم لبيع المساحات الإعلانية والاستفادة منها ماديًا سواءً كان المحتوى الذي يقدمه المشهور هزلياً أم محتوى جاد، فهو يشابه القنوات الفضائية على اختلاف توجهاتها بميزتي التأثير والوصول وهذا ما يبحث عنه المعلن، إلا أن قلة التكلفة هي الفارق فلا عجب من انتقال الشركات للإعلان لديهم والعزوف عن المحطات الفضائية». وحول المبالغ الفلكية التي يطلبها المشاهير ذكر أنها قد تصل إلى 150 ألف ريال لخمسين ثانية فقط، ومع ذلك تبقى بعيدة جدًا عن تلك الأرقام التي تحصدها القنوات الفضائية مقابل ثوانٍ معدودة.
الافتقار للمهنية
وتعتبر الطريقة التي يعلن بها المشهور مهما بلغت من الترتيب والنظام والإبداع، فاقدةً لكثير من المعايير الإعلانية التي توضع في الحسبان عند إعداد خطط تسويقية مدروسة، ويذكر عبد الرحمن العليان مؤسس موقع «نايس ون»: «قمنا بالتسويق لموقعنا عن طريق إعلانات مشاهير «السناب تشات»، والإعلانات المدفوعة على «تويتر» و «انستقرام»، حيث كانت الأولى هي الأعلى في المبيعات وردود الفعل فضلاً عن قلة تكلفتها»، وفي المقابل أكد أن التعامل مع المشاهير فيه شيء من الصعوبة، حيث يفتقد بعضهم للآلية الثابتة والالتزام بوقت ومبلغ محدد، وهذا ما جعل شركة منصات للتسويق الرقمي تبتعد عن التعاون مع المشاهير في أنشطتها التسويقية، فيقول عبد العزيز الموسى مدير الشركة: «ظهور هذا النمط في البداية كان له تأثيره على شركات الإعلان والتسويق بلا شك، فبعض شركات التسويق توجهت للعمل كوسيط بين الشركة التجارية والمُعلن، لكننا لم نتوجه لهذه الطريقة لأنها غير مجزية بالإضافة إلى عدم التوافق الذي يحصل في كثير من الأحيان بين المشهور والعلامة التجارية ما يُحدث كثيرا من المشكلات التي تتعلق بالوقت وطريقة الإعلان وغيرها». وصرحت مسؤولة التسويق في إحدى العلامات التجارية المعروفة أن الشركات الإعلانية تعمل على إدارة حسابات المشاهير وتعد لهم طريقة الإعلان المناسبة، وبعضها الآخر يعمل كوسيط، وفي كلا الحالتين تتنافس الشركات الإعلانية في الأسعار فتطلب مبالغ خيالية مقابل عرض الإعلان للشخصية المشهورة ما يشبه في كثير من الأحيان ممارسات السوق السوداء.
مسؤولية الإعلان
ومهما كان سقف الحرية مرتفعًا لدى المشاهير، فالقيود لها وجودها سواءً من ناحية الجمهور أو الأنظمة التي تفرضها الجهات الرسمية في الدولة، فمحمد الموسى الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ومقدم المؤتمرات يصف تجربته في الإعلان على الـ»السناب تشات» بأنها ممتعة في البداية لكن بعد ذلك تبقى مسؤولية أن لا يكون المحتوى الإعلاني هو الطاغي، وقال في رسالة وجهها للمشاهير: «للجمهور الحق في المحتوى الذي تابعك من أجله فحين تقوم بتهميشه أو التقليل منه لن يتردد في التوقف عن متابعتك لأن الخيارات غيرك كثيرة»، في حين يرى أنس التميمي أحد مشاهير التطبيق بضرورة متابعة الشهادات الصحية للمنتج وكذلك الجمركية في حال قدومه من الخارج، وفي هذا الإطار يوضح: «تهمني جودة السلعة أولاً وأخيرًا، ولضمان ذلك أقوم بتجربتها قبل الإعلان عنها فضلاً عن استعانتي بـ 12 شركة إعلانية تقوم بتقديم العروض ما يجعل العملية أكثر تنظيمًا».
وبشأن الإجراءات التي تقوم بها وزارة التجارة والاستثمار للحد من التصرفات غير النظامية، صرح المتحدث الرسمي باسمها الأستاذ عبد الرحمن الحسين :»تتابع وزارة التجارة والاستثمار عن كثب وفق اختصاصها ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي من تسويق منتجات مغشوشة أو مقلدة مخالفة لأنظمة الوزارة، وتعمل على ضبط هذه التجاوزات واتخاذ الإجراءات النظامية ضد المخالفين، التي تصل إلى السجن لـ3 سنوات، وغرامة تصل إلى مليون ريال»، وأضاف: «تنصح الوزارة المسوقين الالكترونيين بالتأكد من أن المتجر مشترك في خدمة (معروف) قبل الإعلان والتأكد من نوعية المنتج وأصالته قبل تسويقه، بالإضافة إلى المبادرة بالاشتراك في خدمة (معروف) لإعطائهم مصداقية أكثر، وكذلك تمكن الخدمة المسوقين من تسجيل بياناتهم في موقع (معروف)».
معيار الاختيار
وتختلف معايير الشركات التجارية في اختيارها للمشاهير الذين يروجون عنها أو عن منتجاتها، فأنس البني مسؤول إدارة التطوير في شركة «تريفاجو» ذكر أنهم لم يتوجهوا للإعلان عن طريق السناب تشات من قبل، لكنهم يقومون بدراسات واختبارات من أجل محاولة استخدام الحسابات الخاصة بعدد من الشركات لبث لقطات من داخل «تريفاجو»، وعن مشاهير السناب تشات يقول :»لا تمانع الشركة في التعاون مع أحد هؤلاء المشاهير بشرط مشاركته لقيمنا وإيصالها للجمهور»، في الوقت نفسه صرح مسؤول الاتصالات التسويقية في شركة الماجد للعود عبد الإله الربيعة: «يتم اختيار المشاهير حسب توجه الشركة العام وفي إطاره، بعد ذلك نهتم بحجم التأثير من خلال أعداد المتابعين بالإضافة لأسعار الإعلانات».
المزايا والعيوب
ويرى الأستاذ خلف الحافي المحلل والخبير الاقتصادي أن مشاهير السناب تشات لهم شعبية تعمل بشكل أفضل من باقي الوسائل، كما أن رغبات المستهلكين لها تأثيرها على سلوكياتهم وهذا قد يكون الدافع وراء الإعلان عن مستحضرات التجميل، كريمات البشرة، منتجات الشعر، والأزياء. وأردف قائلاً: «إن ما يقتنيه المشهور يعطي دافعًا لمعجبيه بالشراء، فمثلاً يرغب المستهلك بتجربة المشروب الذي يتناوله لاعب كرة القدم المفضل لديه». وفي حديثه عن العلامة التجارية ذكر أن هذا النمط الإعلاني قد يساعد في بناء الوعي للعلامة أو إعادة الحياة لها، فضلاً عن ارتفاع أسهمها في أقرب وقت يتم الإعلان فيه. وعلى النقيض من ذلك يوضح أن شخصية المشهور والحالات المرتبطة به من شأنها أن تلغي فوائد الإعلان، فمثلاً سمعة المشهور ترتبط بسمعة الشركة المعلنة لديه إما بتحسين آراء الجمهور للعلامة التجارية أو الإساءة لها وتحويل الإيجابيات إلى سلبيات. ويقول: «المستهلكون معرضون لحوالي 3000 إعلان في اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي ما يعني تعرض مفرط للتسويق وهذا من شأنه أن يقلل من ردود الفعل».
وفي استطلاع سريع قمنا بنشره على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لمعرفة ردود فعل الجمهور عند مشاهدة إعلانات مشاهير «السناب تشات»، كانت النسبة الأعلى (52%) تتجاهله ولا تتأثر به، و(30%) يرون أن طبيعة المنتج هي الأهم، في حين يهتم (16%) منهم بالشخص المعلن، وبقيت الأقل نسبة تتابعه وتتأثر به. وعلق بعضهم بأن كل جهة تسعى وراء المصلحة والمردود المالي وآخرون رأوا أن المنتج الجيد يفرض نفسه دائمًا فلا يحتاج إلى أولئك المشاهير للإعلان عنه، في حين علق أحدهم أن وعي المستهلك ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية فبالتالي استمرارية هذا النمط مهددة في ظل انخفاض المصداقية.