د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كان مفتاح العلاقة بين السعودية وروسيا التعاون فيما بين البلدين حول النفط، ساهم في إعادة التوازن لأسواق النفط العالمية، ووجدت السعودية أنه يوجد توافق في الآراء مع القيادة الروسية بشأن توسيع نطاق تلك العلاقات بين البلدين، وهو ما أعلنه الملك سلمان لدى استقباله أعضاء مجلس الأعمال السعودي الروسي أثناء زيارته لروسيا في 5-10-2017م، قال (نسجل بارتياح تام ما لمسناه من توافق في الآراء مع القيادة الروسية نحو العمل على نقل مستوى العلاقات لآفاق أرحب).
في المقابل، قال بوتين في مستهل اجتماعه بالملك سلمان (أنا مقتنع بأن هذه الزيارة ستعطي دفعا جيدا لتطوير العلاقات الثنائية).
وأكد الملك سلمان أن تعاون البلدين ساهم بشكل محوري في إعادة التوازن لأسواق النفط العالمية وهو ما نأمل في استمراره وبما يحقق التوازن بين مصالح المستهلكين والمنتجين، الذي عززته منذ سبتمبر 2016 وأثمر هذا الاتفاق عن اتفاق وصف بالتاريخي والمفاجئ في 28 سبتمبر 2016 بالجزائر، حيث تم الاتفاق على تخفيض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا لمدة 6 شهور وتم تمديده في مايو 9 شهور أخرى تنتهي في مارس 2018.
تتجه السعودية نحو استثمار تلك العلاقة وفتح آفاق للاستثمار في قطاعات الطاقة المختلفة، وتأتي هذه الزيارة قبل شهر من اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) المقرر أن تناقش خلاله تمديد اتفاق خفض الإنتاج الذي أدى إلى تحسين مستويات الأسعار، خصوصاً أن السعودية وروسيا تمثلان معا ربع الناتج العالمي من النفط، هما القوة الدافعة وراء إبرام اتفاق (أوبك بلس) وهو اتفاق غير المسبوق بشأن اتفاق إنتاج النفط الذي أسفر عن استقرار أسواق الطاقة العالمية.
ودعا الملك سلمان رجال الأعمال الروس للاستثمار في المملكة التي اعتمدت خطة عريضة للتنمية تحت عنوان رؤية المملكة 2030، وذلك من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من الاعتماد على النفط مصدرا وحيدا للاقتصاد الوطني، وتمثل خارطة وأهداف المملكة في التنمية للسنوات المقبلة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط بما يعمق من أثر ودور المملكة إقليميا وعالميا.
وتم تتويج زيارة الملك سلمان لموسكو بحزمة من صفقات ضخمة باتفاقيات تشمل عقودا لشراء الرياض أنظمة اس 400 الروسية إضافة إلى تصنيعها في السعودية، وشراء أنظمة مضادة للدروع من نوع كورنت أي إم وقاذفات صاروخية من نوع توس-1 أي وقاذفات قنابل يدوية أي جي إس-30 ورشاشات كلاشينكوف من نوع أي كي-103.
ويتجه البلدان إلى تأسيس صندوقي استثمار في مجالي الطاقة والتكنولوجيا حيث تم توقيع 15 عقدا تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وشملت الصفقات حزمة اتفاقيات عسكرية ومذكرات تفاهم وتعاون اقتصادي من بينها تأسيس صندوق بقيمة مليار دولار للاستثمار في مجال التكنولوجيا وآخر يمثل القيمة نفسها للاستثمار في مشروعات الطاقة، ويشدد منتدى الاستثمار السعودي- الروسي على رفع مستوى الشراكة في كل المجالات، وأعلن عن انطلاق 25 مشروعا مشتركا.
كما وقع البلدان مذكرة تفاهم لتوطين صناعة أسلحة نوعية ومتقدمة في المملكة التي تقوم بدور محوري في نمو وتطوير قطاع الأنظمة العسكرية، حيث أعلنت شركة درمك للتطوير عن إنشاء أكبر مدينة صناعية عالمية في المملكة قائمة على الإبداع والابتكار، حيث تركز السعودية على أهمية تبني الأفكار التي من شأنها أن تحول الابتكارات إلى منتجات تحقق عوائد مغرية، وتستهدف منظومة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، والطاقة الذرية السلمية وتطوير الملاحة بالأقمار الصناعية وغيرها.
تزامن عقد القمة بين الملك سلمان وبوتين مع انطلاق منتدى الاستثمار السعودي الروسي بمشاركة 200 شركة من روسيا والسعودية بهدف تجاوز العقبات والعراقيل البيروقراطية رغم ذلك تبقى تلك الاتفاقات الموقعة مع روسيا أدنى من تلك التي وقعت مع الولايات المتحدة في مايو 2017 حيث وقعت شراء أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار شملت خمسة محاور هي أمن الحدود ومكافحة الإرهاب والأمن البحري والساحلي وتحديث القوات الجوية والدفاع الجوي والصاروخي وتحديث أمن الاتصالات.
أثمرت هذه الزيارة عن موافقة واشنطن على بيع السعودية نظام ثاد الصاروخي الدفاعي التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار وأعلنت أمريكا أنها لن تغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة، واعتبرت الموافقة على بيع نظام ثاد الصاروخي للسعودية يصب في دعم الأمن طويل الأمد للمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج في مواجهة إيران والتهديدات الإقليمية الأخرى.
لم تفعل السعودية سوى أنها شجعت شريكا تحرص عليه، وهي بذلك تعترف بروسيا باعتبارها فاعلا مهما في المنطقة، وكذلك روسيا تدرك أهمية موقع المملكة الذي يمثل منصة انطلاق نحو إفريقيا وغيرها من العالم للمنتجات الروسية السعودية المشتركة، وتؤمن بأهمية الدور السعودي في تحقيق الأمن في المنطقة، وروسيا تحتاج للسعودية في سوريا رغم أنها تميل لأمريكا لكن أمريكا لديها أجندات فهي استخدمت ورقة الاستفتاء الكردستاني من أجل ممر كردي إلى البحر المتوسط من أجل وقف الممر الإيراني، وهي تريد توريط روسيا في سوريا رغم ذلك لا يمكن أن ينجح أي حل سياسي في سوريا دون موافقة أمريكا، لذلك تعتبر السعودية وسيطا فاعلا بين الطرفين لدفع التسوية السياسية في سوريا بعد تحقق وقف الممر الكردي لصالح تركيا ووقف الممر الإيراني لصالح دول المنطقة مما يفرض على روسيا لجم أطراف النزاع لتحقيق معادلة التسوية في سوريا وفي المنطقة.
الرياض وموسكو دولتان كل منهما ند للآخر وهما دولتان ناضجتان لن يرضخا لأي أيديولوجيا، ويجب أن تحمل تلك العلاقات الثنائية طابعا مستقرا، وألا تكون عرضة أو رهينة للنزاعات والأزمات التي تنشأ في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، خصوصا بعدما تطورت العلاقات بشكل سريع ملفت للانتباه والتي بدأت تولد الثقة المتبادلة، خصوصاً أن مصالح البلدين تتقاطع حول أهم القضايا في المنطقة.
ما يعني أنه حان الوقت لرفع مستوى الشراكات السعودية- الروسية وتوسيعها وتفعيلها، وتعتبر زيارة الملك سلمان الأولى لروسيا تتويجا للزخم الكبير للعلاقات السعودية- الروسية خلال العامين الماضيين.
مثل تلك الزيارات تزيد من فرص نجاح رؤية المملكة 2030 الطموحة التي تسعى نحو التنوع الاقتصادي والانتقال إلى الاقتصاد المعرفي والتركيز على تمكين القطاع الخاص من قيادة التوسع الاقتصادي واتخاذ العلوم والتقنية والابتكار وريادة الأعمال أسسا لاقتصادنا المستقبلي لبناء مستقبل أكثر إشراقا.
وتهدف السعودية الاستفادة من الخبرات الروسية في مجال صناعة الألمنيوم والاستفادة من الخبرات الروسية في العديد من المجالات الصناعية كالصناعات الإلكترونية وصناعة القطارات والسكك الحديدية، خصوصا أن السعودية تتمتع بعدد من الركائز الاقتصادية التي تسعى المملكة إلى ترسيخ مكانتها كقطب من أقطاب الاقتصاد والتنمية عالميا.