محمد عبد الرزاق القشعمي
في موضوع غير مسبوق أن يكتب أحدهم قصة مكتبته بأسلوب شيق ومحبة بالغة متبادلة بين الكتب وصاحبها.
تسلمت شاكرًا (قصة مكتبة.. خمسون عامًا في صحبة الكتب والمكتبات في الوطن العربي وخارجه) من الاستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عسيلان أستاذ الأدب والنقد وعميد المكتبات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا، ورئيس النادي الأدبي بالمدينة المنورة حاليًا. الصادر من دار الثلوثية بالرياض عام 1438هـ وقد تصفحته ثم عدت مرة أخرى لقراءته، واستمتعت بما حواه من معلومات وطرائف وعلى مدى 574 صفحة لم أحس بالملل، وأنا اتتبع مساره مع المكتبات وأسواق الحراج الشعبية التي تبيع ما تركه المتوفى من كتب وغيرها سواء داخل المملكة أو خارجها وبالذات مصر وسوريا ولبنان والمغرب وتركيا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وغيرها. وحتى المقابر إِذ ذكر له أحد تجار الكتب أن في القرافة غرفة مليئة بالكتب وضعت إلى جوار قبر صاحبها، وأن الحارس مكلف ببيع ما يرغب أحدهم منها على أن تصرف قيمته على تنظيف وتحسين القبر وما يحيط به.
لقد أصبح من رواد سوق الأزبكية بالقاهرة، وما يزخر به من حوانيت خاصة بالكتب المستعملة والنادرة، وأنه عندما يعثر على مبتغاه ولا يجد في جيبه المبلغ الكافي لقيمتها وخوفًا من أن يتركها لدى البائع ويذهب لإحضار باقي المبلغ أن يتصرف بها أو يزيد في سعرها، مما يضطره إلى بيع ساعته (الجوفيال) رغم ألفته لها وتدني سعرها المطلوب.
هو يبدأ بسرد قصته ومشواره مع مكتبته منذ كان طالبًا بالمعهد العلمي بالمدينة المنورة عام 1381هـ حتى الآن أي منذ خمسين عامًا، فكان يفخر بما تضمه المكتبة من نفائس الكتب ونوادرها، واهتمامه بتخصيص فصول خاصة بأبرز الشخصيات العلمية والأدبية وما تضمه مكتبته من مؤلفاتهم وآثارهم أو ما كتب عنهم، مبتدئًا بالمتنبي والمعري، وأبي تمام والبحتري، وفي العصر الحديث أفرد لكل من التالية أسماؤهم فصولاً خاصة مثل: العقاد، وطه حسين، والرافعي، وزكي مبارك، ومحمود شاكر، والمازني، وحمد الجاسر، ومحمد العبودي. فكل واحد منهم يعرف به وبأهم كتبه وبشكل مختصر مفيد وغير ممل، ثم يستعرض ما كتب عنه، وقد يتدخل مدافعًا عمّا يلصق بأحدهم من تهم مثل أبي العلاء المعري عندما اتهم في عقيدته من خلال بعض آرائه وفلسفته في أحوال الناس والحياة والدين وقال: إنه عرف أبا العلاء عن كثب أيام دراسته في المرحلة الجامعية ومرحلة الماجستير بين عامي 1385 - 1391هـ حيث اقتنى ديوانيه (سقط الزند واللزوميات) بطبعاتها القديمة من مكتبة خربوش بالقاهرة، وعكف على قراءتها، وحرص على حفظ بعض قصائدها وذكر مقطوعات مهمة منها. لقد عرف طريقه إلى الكتاب منذ عام 1373هـ وهو طالب في المرحلة الابتدائية بجدة مرافقًا لوالده في الخاصة الملكية، وكان يسكن في حي الصحيفة وبجوارهم أم عثمان وهي امرأة تناهز الستين وتختزن في ذاكرتها حكايات كثيرة من قصص ألف ليلة وليلة وكانت تزور والدته فتحكي لهم قصصًا مشوقه، ولما عاد والده إلى المدينة المنورة عندما أصبح في المرحلة الإعدادية (المتوسطة) كان يدرسهم أستاذ مصري دله إلى مكان بيع ألف ليلة وليلة وقد نصحه بالحذر من الخرافات والقصص الخيالية التي تحويها. وفي المساء ذهب إلى (المكتبة العلمية لصاحبها محمد سلطان النمنكاني) بباب الرحمة في المسجد النبوي.. إلى أن وصل للمرحلة الجامعية ووقع بيده كتاب الدكتورة سهير القلماوي في دراستها عن (ألف ليلة وليلة) وهكذا نمت مكتبته إلى ما يزيد على 5000 كتاب.
«.. وما كان هدفي منها مجرد المكاثرة والتفاخر كما يصنع البعض، وإنما الإفادة منها في البحث والتأليف..».
ونجده يناجي كتبه وهو يجلس إلى جوارها «.. وكأنها ترمقه وتريد أن تقول: إلا تحادثنا؟! أما اشتقت للقائنا واحتضاننا؟! أنا بشوق إلى كل من يتلهف على صحبتنا، والنظر في صفحات وجهنا المشرق بالعلم والمعرفة، ألا تحن علينا؟ ألا تنفض عنا غبار الزمن؟! ألا ترغب في تقليب صفحاتنا، لترى النور من خلالها؟! ألا تعطف علينا بنظرة حانية؟! لا تدعنا نهبًا لدودة الأرض والعث يعبث بنا، حافظ علينا إذا عدا الزمن على أوراقنا، عاملنا برفق، اسع إلى معالجتنا بما ظهر عندكم من أساليب حديثة للمعالجة والتعقيم والترميم..».
فأجابها قائلاً: لكي ما تريدين أيتها الحبيبة العزيزة على نفسي، فافتر وجهها عن غبطة وسرور فدار بينهما حوار طويل.
أقول: إنني لم استطع الفكاك من الكتاب حتى أكملته واستفدت منه بمعلوماته الزاخرة وبطبعته الأنيقة الراقية التي اختتمها بنماذج من إهداء المؤلفين والكتب النادرة ببيان مفصل بها التي تزيد على 100 كتاب وكذا نوادر الدوريات، وصور للمكتبة ومؤلفاته ونماذج من الإهداءات.
تحية تقدير وإعجاب وشكر للأستاذ الدكتور عبدالله عسيلان على هديته القيمة.