يغازله اللقب حيناً من بعيد وحيناً يقترب منه ثم يزداد قرباً منه رويداً رويداً وكأنها ثمرة تهدلت من غصنها توشك أن تسقط بيده وهو فرح بغرور لا يعادلها نشوة الانتصار والفوز على الأعداء إنها التضحية والركض نحو الموت بثبات وتؤدة دون خوف أو تردد إنه اللقب الذي يشتريه بدم يسكبه على الأرض دون أن يكون متحسراً عليه أو نادماً على تبرعه السخي! دم أُريق بالمجان لا يقابله ثأر أو انتقام، دم لا يكاد يظفر به حين يراق لأنه لا يريده، هكذا علّموه ونصحوه وأشبعوه إغراءً وتزييفاً بأنه ببساطة سوف يجمعه الله به في الجنة دون أن يعمل عقله الذي أضاعه في جيوب زعماء الإرهاب! وهو بعد مسكين كفرخ القطا تُرك سهلاً للبازي:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا
فقد ضَعُف المسكين أن يتجلّدا
وقد ضعف حتى استدارت الأفاعي عليه استدارة من استسلم بإرادة كالمخمور والمجنون!
حساباته الخاطئة جعلته يوهم نفسه بأنه يشتم رائحة الحور وأن الجنة تحت ظلال المتفجرات والبنادق فهو دائماً يراها في نومه ويقظته ولم يبق له إلا خطوة بسيطة لا تتعدى أنفه المزكوم عديم الفائدة الذي أخطأ الرائحة كصاحبه،
عندما تضاءلت فترة الصحوة وبدأ عدها التنازلي وأيقنا أن الناس أصبحوا يعرفون الصواب من الخطأ وأن الأجيال القادمة أكثر تحضراً وثقافة في دينها فإذا بنا نرجع إلى مربعنا القديم ويُسقط في أيدينا ما رأيناه من جهل أشد سوءاً من السابق وأن استغلال الدين أصبح ورقة لا يمكن التفريط فيها من قبل كل المذاهب على حدِّ سواء لمن ابتلي بالجشع وحب السيطرة وجنون العظمة وكل ذلك جهلاً وسوء طويّة فكان هو الرهان الذي يفوز دائماً وأبداً ويستثير بها الناشئة ويُستفز حتى تضيع عقولهم ما إن يحرّكها من يُحسن التشدق والتنمق في حديثه وخُطبه ليدغدغ العاطفة الدينية ملهمة الجماهير فيسحر من لا يملك حظاً من الفهم والإدراك ومن قلبت الدنيا له ظهر المجنّ.
يضرب لنا الصحابي الجليل الشهيد أبو عبيدة بن الحارث بن المطلب مثلاً لطالما ظل سؤاله يجيش في صدري ويعبث بعقلي زمناً طويلاً ويا ليته عبث بعقل من كان الغريق والمختنق وغيرهما أفضل منه، وهم في ذلك الأصل وهو الصورة المزيّفة لرجع عن غيّه وثاب إلى رشده، سؤال يختصر مسافات من القرون ومن الحقائق يجلد بها من يصدر صكوكاً للفتيان بالشهادة! وهو مع ذلك يدرك كل الإدراك أنه ضد كفار ومشركين ويدرك كل الإدراك أنه مع الحق ومع المؤمنين وبأمر من سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم،
في معركة بدر الكبرى بين الشرك والإيمان عندما تبارز أبو عبيدة وعتبة وطعن كل واحد صاحبه حُمل أبو عبيدة وهو رجل مسنّ صحابي له قرابة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السابقين إلى الإسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما أسنده إلى فخذه الشريف قال أبو عبيدة للرسول صلى الله عليه وسلم: (هل أنا شهيد؟!)
على أحقيته وبشارته في ذلك هو خائف وجل يسأل! سؤال عليك أن تنبش كل حروف الهجاء لتقف أمام أبجدية السؤال لتذهب بعيداً في مخاطبة النفس وطوفان الأسئلة التي تختلج في وجدانك البسيط، سؤال يتجاوز عقول من يؤجر الصبية والمرتزقة ليهب لهم لقب شهيد بعد ذبح القرابين من الأبرياء باسم الدين وضمان الجنة!
** **
- زياد بن حمد السبيت