يلقي البرفيسور قاي كوك الضوء على أهمية تدريس الترجمة ،ففي كتابه (الترجمة في تدريس اللغة )*الفائز بجائزة وارن ، يتناول كوك أهمية الترجمة في العملية التعليمية ،و يقدم الترجمة كرؤية تعليمية إلي اللغات والثقافات ، وآتفق مع كوك في رأيه ، حيث تذكرت عندما أدخلت ذات يوم الترجمة في حصصي الدراسية عندما كنت أدرس المرحلة الثانوية، وكانت في بداية الحصة 5 دقائق وأحيانا تصل إلى عشر دقائق، وكم كانت متعة الطالبات وحماسهن لتلك الدقائق، كما لاحظت ازدياد دافعية التعلم لدى الطالبات اللواتي يعانين من مشكلات صعوبة تعلم اللغة الإنجليزية، فمن خلال هذه الدقائق كن ينتقلن إلى أغنيات وقصائد وأمثال ومقولات، وكنت أرى تنافسهن للوصول إلى الترجمة الصحيحة للكلمات، ليس ذلك فحسب بل يحفظن الكلمات بسرعة، وعندما أقمت ورشة لترجمة قصة القزم للكاتبة السويدية استريد لندغرين في مدرسة ابتدائية*، أظهرت التلميذات الصغيرات أداء رائعا في الورشة، أما في المدارس المتوسطة التي عبرت بها فقد صافحتني الطالبات بقصص قصيرة وقصائد كتبوها باللغة الانجليزية، كما التقيت طالبات يتعلمن الفرنسية عبر اليوتيوب ويحاولن كتابة قصائد باللغة الفرنسية، وطالبة تتعلم الألمانية، وأخرى تحاول ترجمة كلمات الأفلام والأغاني الأجنبية إلى اللغة العربية، وأخرى تحاول ترجمة قصيدة. وكن يلقين علي رغبتهن بتعلم
الترجمة، ولكن أين ؟ فالترجمة غائبة عن مدارسنا.
مواهب واعدة وعديدة تمتاز بحس ثقافي وجمالي عال في مدارسنا، نشأت في عصر التقنية والعولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة، وكسرت الحواجز والحدود الجغرافية وأصبح التواصل مع الثقافات واللغات الأخرى سهلا، ومهما، ولكن لايزال تعليمنا بعيدا عن إدخال ضوء الترجمة إلى الفصول الدراسية.
لقد أثبتت الأبحاث وبرامج وورش الترجمة التعليمية التي تقدمها الدول المتقدمة لتلاميذها في المدارس أن تدريس الترجمة الأدبية في المدارس الابتدائية يفتح آفاق فكر الأطفال، كما أنه نافذة للتعرف على الثقافات والشعوب الأخرى، ويمثل فرصة لمشاركة التجارب الإنسانية مع الآخرين، كما أن تدريس الترجمة الأدبية يعزز احترام الاختلاف والتنوع في نفوس الأطفال، ويثري خيالهم الغض بجماليات الوصف والصور واللغة، ويوسع حدود فكرهم، ويساعدهم في التواصل مع الآخر وينمي وعيهم الثقافي، أما من الناحية التعليمية فإن تدريس الترجمة الأدبية يساهم في تنمية الثروة اللغوية في اللغة الأم، ويحسن مهارات الكتابة، والتحرير والتدقيق لدى الأطفال كما أنه ينمي فكرهم الإبداعي، ومهارات الإلقاء، بالإضافة إلى زيادة ثقتهم بأنفسهم بتعلم لغة جديدة التي قد تكون طريقهم المهني في المستقبل.
ويبقى حلمي أن تدخل الترجمة الأدبية مدارسنا منذ المراحل المبكرة أي الصف الرابع الابتدائي لينشأ جيل بفكر منفتح، يحترم الآخر، ويؤمن بالاختلاف ويشجع التنوع، ولكي يصبح لدينا مترجمون مبدعون يساهمون في نشر المحبة والسلام في مجتمعنا، وفي العالم.
... ... ...
* فاز كتاب Translation In Language Teaching بجائزة Ben Warren لعام 2010
* المدرسة الابتدائية السادسة بالثقبة والتي أقمت بها برنامج مدى حكاية 2013
** **
- تركية العمري