سلمان بن محمد العُمري
الكلمة الطيّبة والكلام الطيّب سمة من سمات المؤمنين والمتقين الصادقين وكلامهم دائماً ما يكون واضحاً جلياً يستقر في القلوب فيجلب محبة الناس وقبل ذلك محبة رب العالمين، وما أجمل كثرة التودّد ولين الجانب، فهي مع الكلام الحسن صفة حسنة وعلى العكس منها الغلظة والقساوة قولاً وعملاً، وحينما ترجم المعنيّون بالتراجم والسير لعدد من العلماء والمبرزين كان ممّا يمتدحون به للمترجم منهم ويثنى به عليهم حسن الخلق والتودد للناس، ومما ورد من عبارات بهذا الشأن: (كان كثير التودّد للناس، معظماً عند الخاص والعام ومحبباً لهم)، (كان شيخاً جليلاً، حسن الوجه بهي المنظر، له سمت حسن وعليه سكينة، ولديه فضل كثير، فصيح العبارة، حسن الكلام، له قبول من الناس)، (كان حلو المحادثة غزير المحاسن).
والقرآن الكريم والسنة النبوية حافلان بما يحث ويرغب على الكلام الحسن الجميل، والقول الطيّب المبارك قال تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) سورة المؤمنون، وقال صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيّبة صدقة»، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وهذا هو ما أمرنا به ألا نقول إلا حسنا وبرفق ولين وحسن خطاب، بل حتى مع غير المسلمين «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»، وحكي عن قصة موسى -عليه السلام- وفرعون الذي ادّعى الألوهية فيأمره الله -عزَّ وجلَّ- بـ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا ، والرّفق في الكلام مدعاة للقبول وتأليف القلوب، بل وربما التنازل عن بعض الحقوق ويكون سبباً في زوال ما في النفوس من ترسّبات وعلى عكس ذلك الكلام الغليظ القاسي الذي يسبب العناد والمكابرة والإصرار على الخطأ والباطل والتمادي فيه.
والكلمة الطيّبة والكلام الحسن لا يقتصر على ما يجري بين الناس من حوار مباشر أو في المجالس العامة أو خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بل وحتى في المكاتبات والكتب والرسائل وهذا منهج السلف في ذكر المحاسن وترك القبائح أو يسيء للناس حتى وإن كان فيهم من صفات، ولعلّي هنا أستشهد بما قاله ياقوت الحموي عن ابن جني (الأعور) فلما ترجم له قال: «كان ممتّعاً بإحدى عينيه»، وهذا من الذوق والأدب ولو وصفه بما فيه لما كان مخطئاً، ومما ورد حتى في التعليم وأدب الكلام ما روي أن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - لما رأوا رجلاً لا يُحسن الوضوء قالوا له: نريدك أن تحكم بيننا من فينا الذي لا يُحسن الوضوء، ولما توضّؤوا أمامه ضحك، وقال: أنا الذي لا أحسن الوضوء.
وكم من شخص خسر حقه وأضاع نفسه وضيّع غيره وقطع حبل المودة والتواصل مع أهله وأصحابه نتيجة لعدم إحسانه الكلام حتى وإن كان صاحب حق فكيف إذا اجتمع الخطأ في القول والقصد أساساً فحينئذ لا تتوقّع أن الغليظ الفظ يبني جسوراً مع الآخرين بل حتى مع أقرب الناس من أهل بيته وذويه وزملائه.
إن مما يؤسف له أنك تجد هذه الخصلة الذميمة من الفحش في الكلام والبذاءة وسلاطة اللسان امتدت لبعض الناس ممن لا يتوقع منهم ذلك لسنهم ومنزلتهم وما يحملونه من علم ولكنهم جاروا السفهاء في خصلة لا تليق بهم.
نسأل الله العافية والسلامة.