شهدت المملكة في السنوات الأخيرة اهتمامًا واسعًا بالآثار الوطنية من حيث أعمال الكشف والحماية ومشروعات المتاحف وغيرها.
ويعد التحول الفكري والثقافي في المجتمع نحو الاهتمام بالآثار والاعتزاز بها وبقيمتها الحضارية والوطنية والثقافية أبرز ملامح الاهتمام بهذا القطاع المهم، وهو ما يمثل نقلة نوعية كبرى حققتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بشراكة ومساندة من القطاعات الحكومية والجمعيات والمؤسسات المتخصصة، حيث أصبح من اللافت تجاوز المعوقات والنظرة التي تتوجس من الآثار وتحولها إلى نظرة اعتزاز.
وفي حين كانت تعلو الأصوات المطالبة بإزالة الآثار أو عدم الاهتمام بها، فقد أصبح الاهتمام بهذه الآثار والمطالبة بحمايتها والاعتزاز بها وبدورها الحضاري، الصوت الشائع ليس في المثقفين والمسؤولين، بل لدى علماء الدين وعامة المجتمع.
وقد أكَّد عدد من المسؤولين والمختصين وعلماء الدين على أهمية نشر وتعزيز الوعي بأهمية الآثار، منوهين بما وصل إليه الوعي المجتمعي من تطور في هذا المجال.
فقد أكَّد معالي الدكتور فهد بن عبدالله السماري المستشار في الديوان الملكي الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز على أنه للآثار والتراث الوطني دور مهم في تعزيز المواطنة.
وقال: «بلا شك التراث بكل مجالاته سواء المادية أو المعنوية يمثل جزءًا من إرث هذه الأمة والمجتمع، ولا شك أن هيئة السياحة والتراث الوطني تقوم بواجب مهم جدًا فيما يتعلق بتعزيز البعد الحضاري وتعزيز هذا التراث الوطني، ونحن مطالبون بأن نتجه بقوة إلى دعم وخدمة التراث الحضاري بشكل جيد حتى يستطيع الإنسان والمواطن السعودي أن يقترب أكثر تجاه هذا التراث ويرتبط به، ويفتخر فيه، وأنا اعتقد الافتخار كلمة عامة لكنها في مجملها في الأفكار والموضوعات والأهداف والرسائل، لأن المواطن عندما يفتخر بتراثه فهو يدل على وعيه وفهمه».
من جهته أكَّد معالي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي أهمية التعريف بموروثنا الحضاري وتاريخنا الإسلامي.
وأضاف في كلمة لمعاليه: «إذا كان الإسلام اليوم يختطف من جماعات إرهابية، تجعل العنف والدموية والإرهاب، وسفك الدماء المعصومة منهجًا لها وسبيلاً، وتأتي فئات أخرى لتضيع الهوية ولتعيش الانهزامية، ولتنسى إرثها وتاريخها، فإننا نتعاون لتحقيق منهج الاعتدال والوسطية، من خلال مشروعات التراث والآثار».
وأكَّد الشيخ السديس أن حماية التراث الوطني هي مسؤولية وطنية مهمة يجب على مؤسسات الدولة المساهمة فيها لأهميتها في تعزيز اقتصاد المملكة وحفظ تراثها وتاريخها وإبرازه للأجيال.
مشيرًا إلى أننا نمتلك إرثًا حضاريًا يتحمل الجميع مسؤولية حمايته وتعزيز دور المملكة الرائد للمحافظة عليه.
وأضاف بأن العناية بالتراث والآثار رسالة وطنية وتاريخية عظيمة، ويجب علينا جميعًا أن ننهض بها وأن نبرز للأجيال كيف قامت المملكة على موروثات تاريخية.
بدوره أكَّد معالي الشيخ عبدالله المنيع، عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي «أن المواقع والكنوز الأثرية هي في الواقع محط حضارات سابقة، وفي الوقت نفسه هي محل عبرة وعظة وزيارتها تعطي الكثير من التأثر، وكذلك التعلق وتقوية الإيمان بالله».
ودعا ابن منيع زوار المواقع الأثرية إلى «تقدير هذه الثروة الأثرية التي هي لهم ولبلادهم ولأهليهم ولأخلافهم»، معتبرًا من يقوم بأعمال التشويه والعبث بالآثار «مقصر في حق بلده، بل هو عابث بما يتعلق بمصالح البلاد، وعلى إخواننا أن يعرفوا أن الآثار الآن في العالم أجمع تعد من أعظم الكنوز التي تفخر وتعتز بها، فالآثار في أي بلد تدل على حضارتها».
ودعا المواطنين إلى المحافظة على آثارهم الوطنية وأن يشعروا بأن هذا ملكهم وأنها لهم، وأن تطوير هذه الآثار وإبرازها بالمظهر اللائق راجع لهم فيما يتعلق بعزتهم وعزة بلادهم وافتخارهم بها، مطالبًا الجهة المختصة «بمتابعة الحفاظ على هذه الآثار، ومعاقبة من لا يرعى ولا يقدر مصلحة بلاده في اعتبار هذه الثروة الأثرية عزًا له ولبلاده».
من جانبه، أكَّد معالي الشيخ عبدالله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء المستشار بالديوان الملكي أن «قراءة التاريخ والآثار تبعث العبرة، وتحفظ التاريخ، وتخبر الأمة بماضيها العتيق، لتنشره وتصححه وتفاخر به»، مضيفًا «قرأت التاريخ من وحي الآثار والاستدلال بالنقوش والخطوط، وما في هذه المواقع يصحح مسيرة التاريخ عن الأمم البائدة مثل دولة الأنباط، ودولة اللحيانيين وغيرهما، حيث إننا لا نرى ذكرًا شافيًا لها في مصادر التاريخ القديمة، وعسى أن نجد من أبنائنا ممن ينقبون عن المعلومات التاريخية في المصادر التاريخية ما يُغني ويُصحح».
وأضاف: «أشكر لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة جهوده في إبراز هذه الجوانب بما يتماشى مع المنهج الشرعي الذي يبعث على فهم التاريخ ودراسته للعظة والعبرة، والاستفادة من التجارب، وحفظ المعلومات وبنائها على أسس علمية متينة».
واعتبر الدكتور عبد الناصر الزهراني عميد كلية السياحة والآثار والتراث في جامعة الملك سعود أن الآثار ثروة حضارية وثقافية تراكمت عبر القرون، وتتميز بأنها ذات تجارب إنسانية ثرية ومتنوعة، مؤكدًا أن التراث يمثل هوية الشعوب والأمم، ومن هذا المفهوم كان لا بد من التمسك بأصالته وعراقته والمحافظة عليه، لأن علاقة الإنسان بالتراث علاقة عضوية تمثل هويته وجذوره الثقافية.
وأضاف الزهراني: «يتميز التراث السعودي بأنه تراث عريق متنوع تنوعًا يضيف أصالة وعمقًا تاريخيًا له، فتجد هناك التراث المعماري والعمراني والثقافي، حسب المناطق المختلفة في المملكة».