د. إبراهيم بن عبدالرحمن الجهيمان، أبو بدر، من مواليد 1378هـ بمركز غسلة بالقرائن التابع لمحافظة شقراء تلقى تعليمه العالي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مراحلها الثلاث، فحصل على درجة البكالوريوس من كلية الشريعة عام 1400هـ ودرجة الماجستير عام 1403هـ وكان عنوان بحثه الاشتراك في الجريمة ودرجة الدكتوراه عام 1409هـ وكانت رسالته بعنوان اختلاف المتعاقدين وأثره في العقود غير المالية.
درّس- بتشديد الراء- فترة لا تتجاوز العشر سنين بكلية الشريعة بالأحساء حصل خلالها على درجة أستاذ مشارك.
وفي عام 1415هـ انتقل إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وفيها كانت معرفتي به، وكثيراً ما أثنى عليه زملائي الذين شرفوا بالدراسة عليه بكلية الشريعة بالأحساء.
د. الجهيمان من طالب بكلية الشريعة إلى باحث بالدراسات العليا إلى استاذ أكاديمي إلى عمل فني وإداري بهيئة التحقيق والادعاء العام والذي تدرج فيه تدرجاً منطقياً بحكم حمله مؤهلاً عالياً وخبرة أكاديمية حتى وصل إلى مرتبة رفيعة بمنصب قيادي.
فالدكتور الجهيمان كان لبنة من لبنات تأسيس الهيئة وركناً في تاريخها فمن رئاسته لدائرة الادعاء العام بالمقر الرئيس أظهر ما يتمتع به من فقه في الدعاوى والبينات وتقييم الأدلة وسبرها حتى أظهر لوائح الدعوى كما يجب أن تكون أمام القضاء.
وفيها انتقل مشرفاً على إنشاء وافتتاح فرع الهيئة بمنطقة مكة المكرمة عام 1416هـ وما أنجزه مع أول دفعة من أعضاء الهيئة الذين عملوا معه في تلك الفترة في تنظيم سجون محافظة جدة عند تسلم الفرع لأول اختصاصاته وهو الرقابة على السجون وما تلقوه من ثناء من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وزير الداخلية وقتها
وفي عام 1417هـ عاد إلى المقر الرئيس بعد صدور الموافقة الملكية بتعيينه نائباً للرئيس للرقابة على السجون وتنفيذ الأحكام، فكان عراب تنظيم السجون بالجولات الرقابية المتتابعة وإقرار النماذج التي سهلت الإحاطة بقضايا السجناء وكان لمتابعة قضايا السجناء في الجهات ذات العلاقة أثر كبير في تخفيف أعداد السجناء ومن القيم التي كان يهتم لها أثناء جولاته على فروع الهيئة بالمملكة التأكيد على أن خطأ المتهم بارتكاب الجريمة لا يعني الاستهانة بحقوقه وإهدار كرامته.
وفي عام 1422هـ صدر نظام الإجراءات الجزائية في نسخته الأولى فكان د.الجهيمان خير سفير لهذا النظام بما اكتسبه من خبرة أكاديمية ودراية فنية فقد جاب وقتها مناطق المملكة محاضراً بأسلوب احترافي عالٍ على الجهات ذات العلاقة في المحاكم وإمارات المناطق وفروع الهيئة وإدارات الشرط والسجون ولا أنسى لقاءه مع الإعلامي جاسم العثمان في برنامجه الذي كان يبث في القناة الأولى بعد صلاة الجمعة مع المسؤولين يوم قال: لدى البعض هاجس من نظام الإجراءات الجزائية وتوهمهم بأنه بداية لإزاحة الشريعة وتطبيق القوانين الوضعية فأقول: نص المادة الأولى من النظام على (تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنّة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة وتتقيد في إجراءات نظرها بما ورد في هذا النظام).
وفي عام 1426هـ عين د. الجهيمان نائباً للرئيس للتحقيق والادعاء العام ويمثل هذا العام بداية مرحلة انتشار دوائر التحقيق والادعاء العام بمحافظات المملكة بعد أن اكتمل افتتاح فروع الهيئة في المناطق.
وفي عام 1436هـ حصل د. الجهيمان على صفة معالي بعد صدور المرسوم الملكي القاضي بمنح الصفة القضائية لأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ومساواتهم بسلم القضاء فكان على مرتبة رئيس دوائر تحقيق وادعاء المعادلة لمرتبة رئيس محكمة استئناف.
وفي عام 1437هـ أصيب بمرض عضال ألزمه الفراش عدة أشهر في المستشفى على أثره طلب الإحالة للتقاعد مطلع عام 1438هـ واستوفى أجله المكتوب يوم الخميس 21 - 9 - 1438هـ وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بجامع الملك خالد بالرياض ودفن في مسقط رأسه.
هذا طرف من سيرته العملية أما سيرته العلمية فأذكر موقفين لي معه
الأول: عندما كنت في مرحلة اختيار الموضوع لرسالة الماجستير قصدته لنصحي وإرشادي وهو من أهل ذلك فقال: ابتعد عن العناوين البراقة فأنت أمام رسالة علمية وليس مقالاً في جريدة واعلم أنه كلما قصر العنوان اتسعت مادته وكثرت صفحاته فاحرض على تقييد الموضوع. ولما سألته عن مثال على ذلك، قال: مثل المدة في الفقه تشمل جميع أبواب الفقه لكن لو قيدتها مثلاً في العبادات أو المعاملات ومثلها الجنايات وأنت محكوم بمدة زمنية في الدراسة.
والموقف الثاني: يجسد فيه استمرار علاقته بطلابه حيث شرفت باتصاله بي عام 1421هـ وكنت وقتها أعمل في فرع مكة المكرمة وطلب مني تصوير بعض أوراق من رسالة دكتوراه بجامعة أم القرى بعنوان (أحكام تلف الأموال) وإرسالها إليه عبر الفاكس لحاجة أحد طلابه بكلية الشريعة بالأحساء لها وكان من حسن الحظ أن كانت نسخة من الرسالة قد أهداها مؤلفها شيخي أ.د. عبدالله بن حمد الغطيمل لوالدي رحمه الله فوجدتها بمكتبته العامرة فكفتني عناء الذهاب لمكتبة الجامعة.
أما عن تواضع د. الجهيمان، فحدث وأسمع، فبرغم أننا كأعضاء في الهيئة بمختلف مراتبنا يعترينا ما يعتري أي موظف حين يلتقي برئيسه من رهبة وخاصة إذا كان بأعلى الهرم الوظيفي، إلا أن د. الجهيمان ببساطته في الاستقبال وهدوئه في الحديث مع وقاره في الاستماع يزيل ما في النفس من رهبة، بل إن سؤاله عن الزملاء في الفرع أو الدائرة بداية الحديث والثناء على عملهم وطلب إبلاغ سلامه لهم تشعر بالفخر.
ود. الجهيمان لم يؤثر منصبه الرفيع ومكانته الوظيفية على أخلاقه كطالب علم، فقد صادفته مراراً في مجلسي الشيخين معالي أ.د. عبدالله الركبان عضو هيئة كبار العلماء وفضيلة أ.د. محمد الصالح عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وهما من مشايخه وصديقين قديمين لوالدي رحمه الله، فرأيته مع شيخيه طالب علم يتعلم بالسؤال عن المسائل الفقهية وبالاستفسار عن الكتب والبحوث الجديدة ممتعاً في حديثه عن النوادر الفقهية يجلس حيث ينتهي به المجلس حسن الاستماع قليل الكلام لبقاً في الحوار، وكثيراً ما ذكر لي والدي رحمه الله أنه وافقه في مكتبة الرشد.
وآخر المقال: رحم الله صاحب المعالي فضيلة د. إبراهيم بن عبدالرحمن الجهيمان وألهم أهله الصبر والسلوان، فقد كانت سيرته عطرة ومسيرته مشرفة.