«الجزيرة» - متابعة محمد المنيف:
لا شك أن الجهود التي يقوم بها بعض التشكيليين بإقامة معارض لأعمالهم الفنية خارج الوطن تسجل دعما وموقفا مشرفا للفن المحلي، وأعني المعارض التي تنقل هوية الوطن وتراثه بأي شكل وسبيل من سبل المدارس الفنية.. إن كانت لوحات تسجيلية مباشرة واقعية تحاكي تاريخ الوطن وبيئة وتقاليد وعادات المجتمع، أو ما ينتمي إلى الأساليب الحديثة المعاصرة التي تحمل فكرا فنيا لا يخرج من إطاره الوطني، مقابل أعمال فنية أصبحت سبيلا لتشويه الفن السعودي الحقيقي.. وأعني به ذلك التحرك الفردي الذي يقوم به بعض الفنانين غالبية تلك الأعمال تمر من الباب الخلفي دون رقابة أو اعتماد رسمي من حيث المستوى أو توظيف العناصر لتحقيق هدف إبداعي يجمع بين أسلوب الفنان ومصدر استلهامه الذي يجب أن يكون من منابع أصيلة منتمية للقيم الفنية وأصالة مصادر الإلهام..
من هنا نبدأ الحديث عما عنيناه ونسعى إلى تبيانه في هذا الموضوع وهو مسؤولية تمثيل الوطن ودور التنظيم الإداري وأهمية الاتكاء على مرجعيات تحمي وتضمن نجاح مثل هذه المعارض كونها تمثل المملكة.
مشروع مسك أرت يستكمل المشوار
ولتكن بدايتنا مع المعرض الذي ما زال صداه يتردد في الإعلام المحلي بكل صوره وفي أذهان المثقفين والفنانين التشكيليين وفي محيط الثقافة في مقر اليونيسكو الذي جمع نخب الفكر والثقافة والإعلام والفن، حينما أقامت مؤسسة مسك معرض مسك أرت تحت عنوان: طريق البخور، لتعطر مقر أبرز وأهم مؤسسة تعنى بالثقافة والفكر بما أبدعه جيل الشباب الفن التشكيلي السعودي، هذا المشروع العالمي الذي يأتي ضمن برامج مؤسسة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الخيرية التي منحت الشباب جانبا مهما منها لرعاية المواهب في مختلف التخصصات، ومنها مهرجان حكايا مسك التي تعد التجربة الأولى في تنوع مجالات الإبداعات الفنية والأدبية قدمت في أكثر من مدينة في المملكة، ليأتي مهرجان مسك أرت المتخصص في الفنون البصرية الذي يهدف إلى دعم المجتمع السعودي المحلي في تجربته الفنية ومساعدته على إبرازها وتطويرها، الذي كان من خطواته مهرجان مسك أرت في الرياض الذي أتاح الفرصة للفنانين الشباب لتبادل الأفكار ومشاركة الفنانين من دول الخليج والدول العربية والعالم اهتماماتهم وإبداعاتهم ويتضمن العديد من الأنشطة الترفيهية القائمة على المشاركة.
مركز مسك أرت والخطوة العالمية
معرض طريق البخور الذي أشرف عليه معالي الأمين العام لمؤسسة مسك الخيرية الأستاذ بدر العساكر وأداره الفنان العالمي أحمد ماطر وأقيم في مقر اليونسكو، جاء في بيانه (إن الهدف منه السعى إلى نشر الرسالة التي تبناها مركز مسك للفنون، وهو مؤسسة فنية جديدة تركّز على توظيف الفن كوسيلة للتطور والتبادل الثقافي، وتعزيز التفاهم بين الشعوب. ويُعد هذا المعهد إحدى مبادرات مؤسسة مسك الخيرية التي أسسها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي تسعى بدورها إلى إنشاء برامج متنوعة من شأنها تعزيز الاستدامة في النمو المعرفي والثقافي في المملكة. وهو المعهد الأول من نوعه في المملكة لتقديم ورعاية برامج الفنون المعاصرة وإتاحتها لعامة الناس).
قدّم من خلال هذا المعرض نماذج من الفنون المعاصرة السعودية لنخبة من الشباب، حيث ضم المعرض 36 عملاً قدمها 30 فناناً وفنانة منهم الفنانين (فهد القثامي، ناصر السالم، طلال الزيد، ميساء شلدان، نورة العيسى، مساعد الحليس، عبدالله العثمان، طرفة فهد، راشد الشعشعي، نجود السديري، مروة المقيط)، مبدعون شباب تفاعلون مع محيطهم وتمسكون بملامحه الجميلة وأصالته قدموا بها أعمالاً معاصرة تتسم بالجراءة وتتكئ على مبدأ التواصل مع الواقع والمجتمع، دون أن تنفصل عن السياق التاريخي والتراثي، حقق الفنانين الشباب بهذا التحول في الأداء أو سبل التنفيذ الحفاظ على ذاتية تعبيرهم وإبراز رؤيتهم عوداً إلى نظرتهم الشخصية والحديثة الأمور المجتمعية والبيئية. وبهذا التحول غير الشاذ أو التبعي لفكر مخالف لثقافتهم أو تخل عن هويتهم الأصيلة المبنية على مختزل لجماليات الشكل مع الإيحاء بها للموضوع المراد التعبير عنه حققوا بها إعجاب الجمهور الفرنسي وأشادت النقاد والمثقفين الفرنسيين والعرب ومنها إشادة السيدة بوكوفا في كلمة لها بمناسبة المعرض والجهود التي تبذلها مؤسسة (مسك الخيرية)، وما تقدمه من رسالة تتضمن تلاقي الثقافات ومساعدة الشباب والتعليم، وهي رسالة وعمل منظمة اليونيسكو.
واستذكرت ما قدمته (مسك) في اليوم العالمي للغة العربية، معربةً عن سعادتها بتلك التجربة كما هي حالها الآن في معرض (طريق البخور)، مشددةً على أهمية الثقافة الفنية ودورها المهم للمجتمع.
كما أشاد (جاك لانق) رئيس المعهد العربي في باريس الذي قال: (إن هذا المعرض رائع نابع من عمق التاريخم طريق البخور ويمتد عبر العصور حتى يتصل بكل معاني وجماليات الفن المعاصر أهنئ المملكة العربية السعودية على هذا الإبداع الذي يحمل كل ألوان الحضارة) كان كل ذلك تأكيداً على نجاح التجربة ومصدر ثقة لاستمرار مشروع مسك أرت العالمي للانتقال إلى محطات أخرى وبهذا التنوع من إبداعات الشباب الواعد الذي تبرز في تجاربه.
ندوة مصاحبة
لم يتوقف معرض طريق البخور عن تقديم طبقاً متكامل القيم الفنية بل تواصل مع جمهوره من خلال ندوة أدارها الفنان الدكتور أحمد ماطر المدير التنفيذي لمركز مسك للفنون البصرية الذي أسهب في إبراز الفن التشكيلي السعودي ومراحل تطوره ودور المؤسسات الرسمية في دعمه، وما طرأ عليه من تطور من خلال أجيال الشباب، مثمناً دور مؤسسة مسك ومركز مسك أرت الذي بدا بشكل مدروس في توظيف إبداعات الشباب للتعريف بجانب مهم من جوانب حضارة المملكة المعاصرة، وقد شارك في الندوة نخبة من كبار النقاد الفنيين السعوديين والفرنسيين، منهم الناقد والفنان الفرنسي باسكال بوس الذي أبدى إعجابه بالمعرض وما يضمه من قطع فنية رفيعة المستوى، إضافة إلى عدد من الفنانين ومتذوقي الفن من شتى أرجاء العالم، أثرت الندوة وأضفت الكثير على الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه مثل هذه المعارض التي تضم أعمال تمثل جانباً من الفن التشكيلي السعودي.
وزارة الثقافة والدور المعهود
يعد المعرض المشارك ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي الذي أقيم بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى روسيا صورة مشرقة اعتبرها التشكيليين شريك في نجاح التحرك الموثوق والمدروس المعبر عن الفنون السعودية عامة ومنها الفنون التشكيلية، وتأتي مشاركة الفن التشكيلي في هذه الفعالية في روسيا مؤشراً إلى ما تعدله وزارة الثقافة والإعلام من إعادة دورها المعهود في خدمة الفنون التشكيلية أو البصرية بكل تنوعها، التي تعتبر الوزارة فيه بمثابة صمام الأمان لأي أعمال تخرج خارج حدود الوطن أن تكون بمستوى الحضور وحمل اسم المملكة، وهذا ما يؤمل فيه أن تتسلم الوزارة مثل هذه المبادرات وأن تضع لها موقع قدم في كيفية تنظيم مثل هذه المعارض الفردية أو الجماعية خصوصًا التي يقيمها فنانون بجهودهم الخاصة غير المؤهلة لتحمل المسؤولية، لتصبح وزارة الثقافة المسئولة عن الفنانين أصحاب الخبرات ورواد التأسيس ومن قدموا جهودهم في فترات لم يكن للفن التشكيلي ما يقدم له اليوم من دعم من مختلف المؤسسات.
أختم بالقول إن هذين المعرضين من المعارض التي حققت حلم من يهمه أن تقدم الفنون التشكيلية على أطباق من ذهب ممثلة في مؤسسات تعي أهمية هذا الفن.