د.سالم الكتبي
لم يعد سراً أن الاتفاق النووي أو «خطة العمل الشاملة المشتركة»، التي وقعتها إيران مع مجموعة «5+1» التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا (الخمس الكبار أعضاء مجلس الأمن الدولي بالإضافة لألمانيا) باتت تواجه تساؤلات صعبة، إن لم يكن مصيرها بات مهدداً بالفعل.
المعلومات تشير إلى أن الشهر المقبل يمكن أن يحمل بعض الإجابات على التساؤلات المثارة حالياً حول مصير هذا الاتفاق، حيث يتعين على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقدم شهادة إدارته حول مدى امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي، حيث من المقرر أن يبلغ ترامب الكونغرس في 15 أكتوبر الحالي إذا كان يعد أن طهران تفي بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي أم لا؟
المؤشرات تؤكد أن ترامب يمضي بعيداً عن مواقفه السابقة المناوئة للاتفاق، فبعد أن يكتفي بالإشارة إلى أن إيران تنتهك روح الاتفاق، إذا بملالي إيران يخطئون الحسابات والتقديرات ويقدمون له هدية مجانية سيراً على النهج الكوري الشمالي، ويتخذون قرار إجراء تجربة صاروخية جديدة في ذروة الغضب والاستياء والقلق الدولي حيال انتهاكات بيونج يانج للمعاهدات والاتفاقات الدولية الخاصة بالحد من التسلح والانتشار النووي وغير ذلك!!
عقب تجربة إيران الصاروخية الأخيرة، قال الرئيس ترامب: إن الاتفاق النووي مع إيران لم يعد له أهمية، وقال في تغريدة على موقع «تويتر» إن «إيران اختبرت مؤخراً صاروخاً باليستياً قادراً على الوصول إلى إسرائيل. إنهم يعملون أيضاً مع كوريا الشمالية. لم يعد هناك الكثير من الاتفاق لدينا».
توقيت اختبار الصاروخ الإيراني يعبر عن سوء تقدير بالغ لدى ملالي إيران، فالتحدي هذه المرة ليس موجهاً ضد الولايات المتحدة، بل هو تحدٍ للمجتمع الدولي الذي يشعر بالقلق والخوف ويحبس أنفاسه جراء احتمالات نشوب حرب مدمرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، لاسيما أن تجربة إيران قد تمت في نهاية أسبوع دبلوماسي ساخن في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث اتهم الرئيس الأمريكي من على منصتها إيران بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط واصفًا إياه بأنها «دولة مروعة صادراتها الرئيسة هي أعمال العنف وإراقة الدماء والفوضى».
يمضي الملالي «بالمسطرة» كما يقال على خطى كيم جونج اون، الذي يقترب تدريجياً من إشعال حرب نووية في شرق آسيا، وبلغ التسخين حداً دفع كوريا الجنوبية إلى الطلب من الولايات المتحدة بعد المبادرة بتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام الكوري الشمالي.
الموقف بالنسبة لإيران الآن واضح حتى بالنسبة للقوى الكبرى التي تدافع عن الاتفاق النووي، فالملالي لم يتركوا فرصة لأحد للدفاع عن الاتفاق، ويمضون بغباء استراتيجي واضح في تدمير الاتفاق بدعوى أن التلويح بالقوة في وجه الولايات المتحدة سيجبر رئيسها على الخضوع لإيران، متجاهلين تأثير الدرس الكوري الشمالي، الذي لا يزال ماثلاً للعيان، فالتردد والمماطلة مع بيونج يانج قد أنتج تهديدات لم يعد هناك حلاً لها سوى الحرب النووية!
الدرس هنا أنه لا أحد سيترك إيران حتى تستكمل مشروعها الصاروخي وتستنسخ نموذج كوريا الشمالية، هذه حقيقة لم تصل إلى ذهنية صانعي القرار الإيرانيين، والمسألة الآن باتت بشكل مختصر في وضع القوى الدولية أمام خيار توسيع العقوبات الدولية ضد إيران ومعاقبتها على مواصلة برنامجها الصاروخي ورعاية التنظيمات الإرهابية، أو قيام إدارة ترامب بإعلان انتهاك إيران للاتفاق النووي ومن ثم العودة إلى المربع الأول. ولو قررت إدارة ترامب إبلاغ الكونجرس بأن إيران تنتهك الاتفاق النووي، سيتجه الكونجرس إلى فرض عقوبات جديدة على إيران، ومن ثم يصبح الاتفاق في حكم المنتهي.
صحيح أن الاتفاق النووي لا يحظر برنامج إيران الصاروخي ولم يتطرق إليه كما تقول إيران، ولكن القرار الأممي رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي صادق على الاتفاق يطلب من إيران عدم القيام بنشاطات من أجل تطوير صواريخ يمكن تزويدها برؤوس نووية، فضلاً عن أن روح الاتفاق تقضي بضرورة تجنب مسببات التوتر في العلاقات مع الطرف الآخر الموقع على الاتفاق.
نقطة أخرى تتمثل في أن المسؤولين الإيرانيين يزعمون أن الصواريخ الإيرانية غير مصممة لحمل رؤوس نووية، وهذه خدعة سخيفة لا تنطلي على طفل، لأن بالإمكان إجراء تعديلات على المنظومات الصاروخية لتأهيلها لحمل رؤوس نووية طالما توافرت التكنولوجيا الأساسية الخاصة بمدى الفاعلية العملياتية للصواريخ.
صحيح أن المواقف الدولية بشأن الاتفاق النووي متضاربة، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أهمية الاستمرار في الاتفاق النووي مع إيران، قائلاً: «إن نسف الاتفاقية سيكون خطأ فادحاً، كما أن عدم احترامها سيكون عملاً غير مسؤول» ولكنه اعتبر في تصريحات له عقب الخطاب أن الاتفاق غير كافٍ في ظل التطورات الحاصلة، لا سيما التجارب الصاروخية الإيرانية، ما يعني أن فرنسا تتجه إلى دعم خيار الضغط على إيران لانتزاع شروط أو بنود تكميلية للاتفاق النووي.
عملياً، بوسع الولايات المتحدة والدول الغربية العودة إلى سياسة معاقبة إيران، لأن رفع العقوبات كان متعلقًا بالبرنامج النووي وليس الصاروخي، ولكن الملالي يرون الصفقة من منظور غريب، ويعتبرون أن أي عقوبات تعني انهيار الاتفاق!!
المسألة تشبه النزاع مع كوريا الشمالية، فالولايات المتحدة هي طرف في النزاعين، وتواجه نظامين يمتلكان النزعة والتوجهات والمنطلقات العدوانية ذاتها، وربما تتمثل الفوارق المهمة في القدرات التسليحية التي تجعل من تهديدات الحرس الثوري الإيراني للقوات الأمريكية مدعاة للسخرية والاستهزاء، والأمر الوحيد شبه المؤكد في هذا الملف أن الاتفاق النووي لم يعد موضع اتفاق تام بين القوى الموقعة عليه.