زكية إبراهيم الحجي
رحل صاحب النظرية الشهيرة «أكذب.. أكذب حتى يصدقك الناس.. ثم أكذب وأكذب حتى تصدق نفسك» وبقيت نظريته خالدة لم تندثر.. تنتشر تؤثر وتفتك بعقول البشر بعد أن تطور أسلوب الكذب والخداع وتزييف الحقائق وتعددت وسائل انتشاره ولو لم يخترع «غوبلز» نظريته لاخترعها الآلاف ممن يعيش على سطح هذا الكوكب.. وهذا استدلال واضح على الحيز الكبير الذي يُعطى للكذب تجاه الشعوب والدول وكأنه ترياق لتضميد جراح وإن كان بشكل مؤقت.. فالكذب لا يعيش حتى يصبح عجوزاً كما قال الروائي اليوناني الملقب بالمضيف «سوفوكليس».
لم تكن نظرية «غوبلز» التي أطلقها وزير الدعاية الألماني إبان حكم هتلر أكثر تأثيراً وممارسة مما هي عليه اليوم في الإعلام العالمي والسياسات الدولية.. كما لم يعد يكفينا أن نتساءل: ما هو الكذب؟ إنما ما يعنينا هو ما الذي يقوم به فعل الكذب.. وما الذي يرمي إليه خاصة إذا تجاوز أخلاق الأفراد خلال حياتهم الطبيعية ليطال السياسة والإعلام ويعْلق بعدها بالتاريخ
إن كل صناعة تتعلق بالواقع وتؤدي إلى تزييفه والتدليس عليه أو قولبتْ محتواه بمعلومات ومؤثرات مختلفة ومفردات انتقائية لا تمت للواقع بصلة.. وليس لها علاقة البتة بأحداث حقيقية وهدفها جذب المتلقي من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتكنولوجيا التلاعب بالحيثيات سهلت مهمة غوبلزييي عصرنا الحالي في امتهان الكذب والمراوغة.. ولكن لحسن الحظ أنها دوماً ما تفشل في التسلل إلى العقول الواعية المدركة.
في عصرنا الحالي أصبح شعار «أكذب.. أكذب حتى يصدقك الناس» رمزاً لقوافل مايكروفونات بعض دول العالم.. ويكفينا مثالاً على ذلك منهج الكذب الذي يحكم علاقة العشق المتنامية بين الدوحة وطهران حتى باتت رائحته النتنة تفوح من منابر إعلام مختلف دول العالم وهو بذلك يؤكد المقولة «الكذبة تنتشر في نصف الكرة الأرضية قبل أن تطمسها الحقيقة».
ورغم أن المتعارف عليه بأن الكذب فعل مشين ومستنكر وأن جميع الأديان السماوية تجرمه وترفضه إلا أنه سلوك معتاد في السياسات الدولية على اعتبار أن العلاقات الدولية ليست بالضرورة علاقات تقوم على الأخلاق والقيم والمنطق بل تقوم على القوة والسيطرة والغلبة وتحقيق المصالح والحفاظ عليها أمام التقلبات الدولية خاصة وقت الحروب والأزمات ومسلسل الصراعات الذي لا ينتهي.
فإذا كان غوبلز صاحب نظرية «أكذب.. أكذب حتى يصدقك الناس» قد لعب وبطريقة ذكية دوراً مهماً في ترويج الفكر النازي لدى الشعب الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية فلا عجب أن يشهد عصرنا الحالي استمراراً لتأثير هذه النظرية في ظل تنامي وتعدد وسائل إعلام مختلفة يُستثمر معظمها لترويج الأكاذيب السياسية بأسلوب دغدغة المشاعر لتسميم العقول.