ياسر صالح البهيجان
الأفلام السعوديّة القصيرة استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تعيد إحياء أحد أكثر الفنون تأثيرًا على مستوى العالم، رغم عدم توافر بيئة محفّزة للإنتاج والعرض. كفاءات شابّة أخذت على عاتقه مهمة الإبداع، ومد جسور التواصل فيما بين ثقافتها الوطنية والثقافات الإنسانيّة الأخرى، لتميط اللثام عن الغموض الذي يكتنف المجتمع السعودي.
ما يميّز الأفلام السعودية القصيرة المُنتجة حديثًا هو تنوعها، ما بين أفلام عاطفيّة ودراميّة وخياليّة بأساليب إنتاج متطوّرة، وتمكنت من المنافسة بقوّة في المسابقات الدوليّة، وكانت محطّ أنظار عديد من الشعوب، وفرضت نفسها في صالات السينما، إلى درجة أن هوليوود الأمريكيّة تُقيم حاليًا مهرجان «أيام الأفلام السعوديّة»، ويتزامن معها مهرجانًا مماثلاً في مدينة دبي الإماراتيّة، ما يؤكد حجم اهتمام المجتمعات بما تقدمه العقول السعوديّة المبدعة في هذا المجال الحيوي والخصب.
ما يبعث على الطمأنينة أكثر من أي وقت مضى، أن الصناعة السينمائية السعودية حظيت مؤخرًا بالدعم من داخل الوطن، وكان مركز الملك فهد الثقافي بالرياض سباقًا في عرض عديد من الأفلام المحليّة أمام الجمهور، وكذلك جمعيات الثقافة والفنون، ويضاف إليهم أرامكو السعوديّة التي أقامت مهرجان «أيام الأفلام السعودية»، ولعل تحركاتهم تمثّل حافزًا لجهات أخرى في اتخاذ قرارات مشابهة من شأنها فسح المجال أمام المجتمع للاستمتاع بهذه الصناعة الإبداعيّة التي تعد أحد أبرز روافد نجاح مساعي الترفيه الإيجابي.
الصناعة السينمائية ليست عبثًا، وإنما جزء من حالة وعي ثقافي وتحضر معرفي، والأفلام السعودية الشابّة استطاعت أن تربط بين ثقافات متعددة، كفيلم «ريم» الذي أكد تقارب الثقافتين السعودية والهنديّة، وجرى تصويره ما بين نيودلهي وجدة، وتدور أحداثه حول فتاة سعودية تسافر إلى الهند لتبحث عن والدتها، وقد تناول الفيلم فكرة التحديات الدينية والثقافية بين المجتمعين. واستطاع مبتعثون سعوديون أن يصدروا فيلمًا من إنتاج هوليوود بعنوان «انتقام أب» وهو أول فيلم أمريكي من إخراج سعودي يحكي حياة الخليجيين داخل أمريكا. كما تمكّن فيلم «بلال» من الربط بين الماضي الإسلامي والحاضر، ويروي قصة حياة الصحابي الجليل بلال بن رباح وهو مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام منذ طفولته وحتى انتقاله إلى الجزيرة العربية، ثم مرحلة دخوله الإسلام. ولم يغب الخيال العلمي عن عجلة إنتاج المخرجين السينمائيين السعوديين، فقد أنتجوا فيلم «المأزق القادم» الذي تدور أحداثه حول سقوط طائرة في سبعينيات القرن الماضي، وبعد فشل محاولات الطاقم للاتصال بالعالم الخارجي، يضطرون إلى التعايش مع واقعهم.
نماذج وطنيّة مشرّفة تجاوزت الأسوار، وواجهت التحديات الكبرى بثقة وثبات، وحان الأوان لاحتضانها والاستفادة من قدراتها وتوفير عوامل نجاحها. والصناعة السينمائية في هذه المرحلة قادرة على إظهار مدى تسامح المجتمع السعودي، ورغبته في التعايش مع مختلف الشعوب والأعراق، وقادرة أيضًا على التأكيد بأن مجتمعنا يحفل بالإبداع والمبدعين وليس مجتمعًا منغلقًا على ذاته أو عالة على البشريّة.