محمد المهنا أبا الخيل
عندما يخرج من ينتقد المملكة شعبها أو حكومتها أو سياستها بمقال أو برنامج تلفزيوني في أي بلد، وبلدان الغرب خصوصاً، تعلو أصوات هنا مبدية الامتعاض من قصور الإعلام الخارجي، وأن التحامل على المملكة في معظمه ناتج عن جهالة المتحامل بحقيقة ما استثاره من شأن من شؤون المملكة، ولذا على الجهات المعنية بذل جهد كبير لإيصال الصورة الحقيقية عن واقع المملكة السياسيي والاجتماعي والاقتصادي للإعلام الدولي والتأثير الإيجابي في صناع الرأي العام في كل بلد وخصوصاً البلدان التي ترتبط بالمملكة بعلاقات إستراتيجية حتى تترسخ صورة إيجابية عن المملكة في أذهان الشعوب الصديقة.
لعله من المناسب استعراض الصورة الذهنية للمملكة والسائدة في المجتمعات التي كثير من نظن بها سوء الفهم لحقيقة واقعنا، حيث تمثل الصورة المملكة كبلد مغلق نسبياً على الراغبين في زيارته وهو مجتمع محافظ بدرجة شديدة تحكمه التعاليم الدينية بصرامة، ويمارس فيه الفصل المعيشي بين الذكور والإناث في مختلف التمظهرات الحياتية، ويلبس أهله ملابس تقليدية والنساء يفرض عليهن لبس العباءة التي تغطيهن بالكامل، والبلاد يحكمها ملك يطبق الشريعة الإسلامية كقانون صارم حيث يمثل القصاص ركن من أركان القضاء، وأن البلاد محظوظة بمخزون هائل من النفط جعل شعبها شعباً ميسوراً ومعتمداً على هبات الدولة وغير مجبر على العمل والإنتاج، هذه هي الصورة الذهنية السائدة وبقدر ما تتوافق أو تتنافر مع التصور الفردي في المجتمعات الأخرى والمبني على القيم والمعتقدات الشخصية تخلق الانطباع الخاص الذي إما يكون إيجابياً أو سلبياً، وقد يتأثر البعض بما يجد من معلومات إضافية باتت متوفرة في الشبكة الدولية (Internet)، ولكن الانطباع المؤسس للشعور الأصلي هو الصورة الذهنية السائدة.
الصورة الذهنية السائدة لدى المجتمعات الأجنبية عن المملكة لا تختلف كثيراً عن الواقع وإن كانت تصوره بصورة كوميدية تهكمية أحياناً في وسائل الإعلام الأجنبية، وليس علينا أن نغير ذلك إلا بالقدر الذي يناسبنا ويحقق مصالحنا كدولة وكشعب، ونحن في هذا لا نختلف عن باقي شعوب الأرض التي تعيش واقعاً خاصاً بها يحدده موروثها الثقافي وطبيعتها المعيشية، وتعاني بعضها من التصوير المزور لواقعها وخصوصاً في المجتمعات الغربية التي أصبحت تمارس نقداً جارحاً لكل ما لا يتفق والقيم السائدة في الغرب ولدى تلك المجتمعات الغربية فكر جمعي يدعي الوصاية على العالم والحق في تغيير المجتمعات الأخرى لتتناسب والقيم السائدة في الغرب.
بلا شك أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لها دور كبير في قيادة تكوين الانطباع الجمعي حول أمر أو شأن يهم المجتمع سواء كان منشأ ذلك محلياً أو دولياً، وكثير من شؤوننا باتت تهم كثيراً من المجتمعات خارج نطاقنا الجغرافي، ولذا ربما يجدر بنا رصد توجهات وسائل الإعلام تلك التي اعتادت تناول الشؤون السعودية خصوصاً، ودراسة محركات توجهاتها ومثيرات التعبير عندها لكي نستطيع وضع خطط وبرامج تأثيرية يراد بها إزالة المشاعر السلبية تجاه المملكة التي تكونت بفعل سوء الانطباع، كما يجدر بنا التواصل الفعال مع قادة الرأي في تلك المجتمعات الأخرى من خلال خلق شبكة تواصل بينها وبين قادة الرأي في المملكة وتنظيم لقاءات مشتركة خارج المملكة وداخلها وتنظيم مؤتمرات وندوات يراد بها خلق انطباعات إيجابية عن المملكة من خلال إظهار روح المجتمع السعودي المتسامحة والمحبة للسلام.
لعله من نافلة القول في الختام القول «إن سوء الانطباع بين المجتمعات المختلفة هو أحد مظاهرالحماية الذاتية لكل مجتمع، حيث يمارس فيه قادة الرأي التقليدي -السياسيون ورجال الدين ووجهاء المجتمع- دور المكون لصور ذهنية مشوشة عن المجتمعات الأخرى بقصد حماية المجتمع من التأثر بغيره من المجتمعات وخلق شعور بالسمو الذاتي للمجتمع لتعزيز لحمته الوطنية».