عروبة المنيف
لا تزال أصداء القرارات الملكية المتضمنة، السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة وإعداد مشروع نظام لمكافحة التحرش مستمرة، فصدورهم بهذا التتابع يحمل رسالة هامة تبشر بتدشين مرحلة جديدة في تاريخ المجتمع السعودي ، فالمتغيرات المجتمعية التي تعاصرها المملكة على جميع الأصعدة تشير إلى تبني قيم مجتمعية جديدة ترفض التكتم والتستر والتغطية على أي فئة تعتبر نفسها الأقوى وأنها فوق القانون.
إن إصدار مشروع نظام لمكافحة التحرش في هذه المرحلة بالذات ، مرحلة الرؤيا وتمكين المرأة، تعتبر فاتحة انفراج لظواهر ومفاهيم مجتمعية لطالما كانت حجر عثرة في سبيل خروج قانون التحرش إلى النور. لقد أدى تبني بعض المفاهيم والظواهر الاجتماعية إلى إرباك وتعطيل الخطط التنموية. فعلى الرغم من المؤثرات السلبية لتلك المفاهيم والظواهر، إلا أننا نتيجة ظروف مجتمعية سادت في السابق، اضطررنا لتبنيها في أنظمة المعتقدات خاصتنا وبالتالي قبولها على مضض وما نتج عن ذلك من صراعات اجتماعية مزمنة، أذكر على سبيل المثال لتلك المفاهيم، مفهوم «ثقافة العيب»، إن تبني هذا المفهوم في الأوساط المجتمعية ساهم بشكل واضح في عدم التطرق البحثي المستفيض لظاهرة التحرش كقضية مجتمعية ما أدى بدوره إلى عملية التضارب والضبابية في النسب المشكلة لتلك الظاهرة، وعلى الأخص تلك التي تطال التحرش بالمحارم ، «فثقافة العيب» ساهمت في شيوع صفة التكتم والسرية المرتبطة بتلك القضايا ، فالمتحرش الذي يكون من داخل الأسرة، تكون لديه حصانة وتغطية أسرية نابعة من تلك الثقافة ما يجعله يتمادى في سلوكياته غير السوية.
ظاهرة أخرى ساهمت بشكل أو بآخر في تأخير إصدار قانون التحرش ، إنها ظاهرة «الخصوصية السعودية»، التي كانت تقف بالمرصاد عند انتشار أي حدث أو ظرفٍ يستدعي استصدار ذلك القانون، فقد شكلت تلك الظاهرة عقبة أمام فسح المجال لإقراره، ناهيك عن الأعذار الواهية التي كانت تهدر بين الفينة والأخرى ويصدح بها من كان لهم دور كبير في تجهيل المجتمع وتغييبه كتلك المرتبطة بتعزيز مفهوم الاختلاط إذا ما تم إقرار القانون!.
إن المجتمع بكل شرائحه وفئاته يتطلعون بحماس لإصدار ذلك القانون ،إنه قانون يهدف لحماية الجميع سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً، فهو يعمل على تنظيم العلاقة بين جميع الأطراف ، إنه سيحمي الرجال والأطفال أيضاً فهو ليس حصرياً للنساء.
إن عملية إصدار قانون التحرش وشيوع ثقافة الحماية من التحرش سواء في البيت أو في الفضاء العام يستدعي من القائمين على التعليم الاستعداد والمباشرة بتدريس مادة الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية، التي تتضمن التوعية بأساليب التحرش وطرق الحماية منها وكيفية التعامل مع المتحرش في ظل القانون الجديد بهدف توعية النشء بخطورة هذا الأمر على جميع المستويات الصحية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية.