عماد المديفر
لا شيء يهدد الأمن والسلم الدوليين اليوم كما هو «الإرهاب الديني»، الذي يستخدم «الدين» كغطاء له، ووسيلة إقناع، والنصوص الدينية كباعث ومحفز.. والتاريخ يخبرنا بأن هذا النوع من الإرهاب يعود في جذوره إلى «السيكاري» - وهي جماعة يهودية متزمتة نشطت أثناء الاحتلال الروماني للشرق الأوسط في القرن الأول الميلادي، حيث كانوا يستخدمون سلاح «السيكا» وهو خنجر صغير، يستخدمونه لقتل «المرتدين»، وهناك غيرهم العديد من الجماعات المتطرفة من أتباع ديانات متنوعة، والتي استخدمت الدين لتجنيد «الفدائيين» وتبرير ممارساتها للأعمال الإرهابية..
إلا أن «الإرهاب الإسلاموي» هو أبرز وأخطر تلك المهددات الإرهابية الدينية اليوم، والتي تستهدف المسلمين قبل غيرهم.. إنه إرهاب ديني يستخدم «الإسلام» كغطاء له ومحفز، ومبرر! - وحاشاه -.
وتكمن خطورة هذا النوع من «الإرهاب» المعتمد على «الفكر» و«الأيديولوجيا» في كونه يستهدف الإسلام والمسلمين بشكل مزدوج: يستهدفهم في هويتهم وفكرهم وعقيدتهم - استهدافاً فكرياً معنوياً - تماماً كما يستهدفهم - قبل غيرهم - في بلادهم وأهليهم وأنفسهم بشكل مادي ملموس.
إن الدراسات الغربية الرزينة والحديثة التي رصدت بدايات ظاهرة «الإرهاب الإسلامي» في العصر الحديث، وتناولته بشيء من التفصيل، تكاد تجمع على أن تيارات العنف الإسلامي السياسي التي أنتجت هذا النوع من الإرهاب في العصر الحديث؛ لم تبرز على السطح إلا مع ظهور الثورة الإسلامية في إيران «ثورة الخميني» التي بلغت أوجها في المحرم عام 1398هـ الموافق للثاني عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1978، واستيلائها - باسم الثورة الدينية الشعبية، ثم عبر صناديق الانتخاب - على زمام الأمور هناك عام 1979؛ حيث بدأت الأعمال الإرهابية العدائية باسم «الإسلام والإسلاميين» بالانتشار تحت شعار: «محاربة الإمبريالية الغربية» و«مكافحة التغريب والفساد الأخلاقي» وأن ذلك لا يتأتى إلا بـ«تحطيم حكم الطغاة عملاء الغرب في البلدان العربية والإسلامية وإقامة الحكومة الإسلامية والدولة الإسلامية»، كما ورد نصاً في كتاب «الحكومة الإسلامية» للهالك «الخميني» أحد أهم أئمة «الصحوة الإسلامية» وعرابيها، والتي هي بدورها - أي الصحوة - ثمرة الجهود المخططة والمستمرة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الميلادي الماضي، حينها شرع «الإرهاب الإسلامي الحديث» يضرب البشرية هنا وهناك.
كما يرى العديد من الباحثين الغربيين - وأنقل التالي بشكل محايد كنتائج لدراساتهم حول ظاهرة الإرهاب الإسلاموي - أن تنظيمات الإرهاب الإسلامية التي تنتسب للمذهب السني كالقاعدة، وداعش، تنبع من «السلفية الجهادية» بحسب ما تتبنى هي وتعلن وتدعي.. والتي بدورها - بحسبهم - تأثرت بعدد من المدارس الإسلامية.
لذلك لم يستطع الباحثون الغربيون تقديم تفسير مقنع تجاه ما أبرزته تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية من دعم إيراني رسمي وعلاقة تعاون وثيق مثبت بين الثورة الإسلامية في إيران والحرس الثوري الإيراني من ناحية، وحركات ما يسمونها «الجهاد الإسلامي» و«السلفية الجهادية» كالقاعدة من ناحية أخرى رغم اختلاف المذهب الديني الذي يستمدون منه شرعيتهم وتبريراتهم لاستخدام الإرهاب والعنف، وكذلك ما تم ملاحظته من ارتباط قادة القاعدة، وداعش كعبد الله عزام، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وأبو بكر البغدادي بتنظيم الإخوان المسلمين الذي يقدم نفسه باعتباره تنظيماً إسلامياً عالمياً يدعي «الاعتدال» .. «لا يقر العنف ولا يستخدمه»، لذلك فقد كان لزاماً وجود دراسات رزينة ومتمكنة، تسبر الأعماق العقائدية لظاهرة الإرهاب الإسلاموي، وتتبع خيوطه المتشابكة، وتستقرئ الأحداث والأشخاص والتاريخ لأبرز التنظيمات الإرهابية الإسلامية المعاصرة، وتسعى إلى الوصول إلى المنبع الأيديولوجي المغذي والداعم للفكر الإرهابي عند المسلمين في العصر الحديث. وهو - ولله الحمد - ما وُفقت إلى الاشتغال به من واقع المسؤولية العلمية والوطنية، والمساهمة به من خلال دراسة أنجزتها في وقت سابق، قدمت جزءاً منها لمركز المسبار للبحوث والدراسات في رمضان عام 1437هـ، والذي نشرها بدوره مشكوراً بعد تحكيمها في كتاب حمل عنوان: «إيران والإخوان: الشيعة القطبيون».. وأعمل حالياً على دراستي بصيغتها الموسعة بعد أن أضحت مكتملة الفصول وجاهزة للنشر في كتاب مستقل.. إلا أن هذه الدراسة وغيرها مجرد جهد باحث فرد.. فماذا لو كان هناك قسمٌ مختص.. أو كلية مختصة في مثل هذا النوع من الدراسات الهامة بل والحيوية جدا خاصة في هذا الوقت؟ وهو ما اكتشفته أثناء عملي على إنجاز هذه الدراسة، حيث لاحظت وجود قسم مختص تم إنشاؤه حديثاً في المعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود تحت اسم «قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة».. والذي يُعنى فقط بالدراسات العليا، ليغطي موضوعات كالأمن الفكري، ومكافحة الإرهاب فكرياً، والتيارات الفكرية المعاصرة، والحركات الإسلامية المعاصرة، والوسطية والاعتدال.. وغيرها من الموضوعات الهامة جدا بل والحيوية.. كونها هي المعنية بالدرجة الأولى بمكافحة منابع الإرهاب الإسلاموي في العصر الحديث.. كانت هذه مقدمة فقط، الأسبوع المقبل نتحدث عن هذا القسم الحيوي الريد بتفصيل أكثر.. إلى اللقاء.