عبدالوهاب الفايز
إذا أردت نموذجا إيجابيا لبناء (المشاريع الذكية) في حقبة التحول التي تستشرف إعادة إنتاج وهيكلة العمل الحكومي، هنا يأتي في الأولويات إنشاء (شركة وطنية كبرى لتقنية وخدمات وأنظمة أمن المعلومات). هذا الكيان يفترض أن يتولى برامج ومشاريع أمن المعلومات في المملكة ليسد الثغرة الكبيرة في تعامل القطاع العام والخاص مع أمن المعلومات وخدماتها، حيث لا رؤية واضحة ولا إطار عمل موحد يحمينا من مخاطر الاختراق والتلصص وسرقة معلوماتنا الأمنية والاقتصادية، وقد تكررت عمليات الهجوم والتعطيل لعدد من الأجهزة الحيوية في الدولة.
من الناحية الاستثمارية، هذه الشركة الكبرى موجود كل عوامل نجاحها، فلن تتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة، فالاستثمارات تحققت، والموارد البشرية الوطنية المؤهلة والمدربة موجودة، والتوسع في خدمات أمن المعلومات أمامه فرص كبيرة في مختلف شؤون حياتنا. إنشاء هذه الشركة يحقق لنا (توحيد عقود الشراء والتشغيل والصيانة) لكل الأجهزة الحكومية والخاصة الكبرى التي تملك فيها الحكومة حصص أساسية، أو حتى لدى المؤسسات والشركات الخاصة الحساسة لاعتبارات الأمن الوطني مثل البنوك وشركات التأمين.. وغيرها، مما قد يقع تحت هذا الهدف الوطني.
توحيد العقود يوفر التكاليف الكبيرة، ويضمن الاستفادة من ندرة الكوادر الوطنية المتخصصة في أمن المعلومات، ويوحد المواصفات، ويقوي الموقف التفاوضي لدى شراء برامج أمن وحماية المعلومات، ويتيح الاستفادة المهنية المحترفة من المميزات المصاحبة للعقود التي تمنحها الشركات الكبرى في مجال التدريب، أو في مجال المسؤولية الاجتماعية.
لدينا الآن العديد من الشركات التي نجحت وتميزت في عملها مثل شركة الاتصالات السعودية، وشركة الإلكترونيات المتقدمة، وشركة علم، وغيرها مما لم أذكره، ولدينا مركز المعلومات الوطني، ولدينا قطاع أمن المعلومات في أرامكو وسابك، وغير هذه الكيانات التي تجمعت لديها الخبرة وبنت الكفاءات الوطنية المحترفة في أمن المعلومات وخدماتها، كل هذه العوامل تضمن نجاح شركة وطنية تتولى العقود وتضع المواصفات وتتبنى تطبيق خطة وطنية موحدة لأمن المعلومات.
ثمة مبررات وطنية تدعم قيام هذا الكيان منها:
أولا، نحتاج التوسع في تنمية فرص العمل للسعوديين المؤهلين في هذا الحقل، والذين عادوا من برنامج الابتعاث انظموا إلى قائمة البطالة، ومع هؤلاء المئات من الذين تخرجوا من الجامعات السعودية، وهؤلاء نحتاجهم لبناء خط الدفاع الأهم لأمن المعلومات.
ثانيا، لدينا الكيانات الاقتصادية الحساسة لأمننا الوطني، مثل أرامكو، وهذه لم تسلم من الهجوم الإلكتروني الذي استهدفها، وهو استهداف لأمننا، وهذا يتطلب منا حماية كل منظومة الطاقة في المملكة من الاختراق أو العبث، وتمكننا من عقود الصيانة والتشغيل لأمن المعلومات وسيلتنا العملية لحماية هذه المنظومة.
ثالثا، نحن تخشي اختراق وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت في كل يد، وميدان كل لسان، ومنتدى أصحاب البصيرة والعميان، وهذه بعد توسعها أصبحت الدول تضعها ضمن مصادر مهددات الأمن الوطني، وفِي أمريكا هناك دعوات جادة في الكونجرس لتشكيل لجنة تحقيق في اختراق وسائط التواصل، وذلك بعد التعرف على عدد كبير من الحسابات الوهمية التي تستخدم لتوسيع الخلاف والشقاق في المجتمع الأمريكي، ونحن لدينا الآلاف من الحسابات الوهمية التي كانت ترعاها إيران وخلاياها، والآن (مع الأسف ومرارة الألم دخلت قطر عبر خلايا عزمي) لتكمل مشوار إيران!
رابعا، لدينا المشروع الوطني الذي تعمل عليه وزارة الصحة، وهو بناء الملف الوطني الطبي الموحد للمواطنيين، وهذا سوف يوجد قاعدة معلومات ضخمة، فمن الضروري حمايتها من الاختراق والسرقة، لانها كنز للشركات وللمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، كما أن هذا المشروع سوف يتطلب استثمارات كبرى في البنية الأساسية والموارد البشرية.
خامسا، لدينا معلومات المستهلكين، وسلوكهم وحركتهم الديمغرافية، والشركات العملاقة تتسابق علي التجسس الاقتصادي لمعرفة الفرص وتوجهات المستهلكين والتبدل في أنماط حياتهم.
سادسا، ثمة حاجة ملحة لأن نتبني توجها إستراتيجيا بعيد المدى لبناء وإطلاق (التطبيقات الخاصة بِنَا)، مثل تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تستهدف جمع المعلومات، ومثل هذا التوجه سوف يساهم في تحويل الطاقة الكبيرة لدى الجيل الشاب الذي يقبل بكثرة على (استهلاك التطبيقات) بدون أية قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، تحويلهم لكي ينتجوا المعرفة، وهذه ميزة للاقتصاد الرقمي يفترض أن نوجه شبابنا للاستفادة منها استثماريا، بدل التفاعل غير الإيجابي مع وسائط التواصل الاجتماعي المهدر للمال والجهد والوقت والصحة.. والسعودية تأتي في قائمة الدول التي تتفاعل مع التويتر واليوتيوب، إنها ثروة مهدرة!
نتمنى أن تتولى رئاسة أمن الدولة تبني إنشاء هذه الشركة لحماية لأمننا الوطني، ولتوحيد الجهود المشتتة، فالمخاطر مازالت أمامنا كبيرة.