فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من وجود الدوائر القضائية المختصة بالقضايا التجارية، وبعض اللجان المعنية بالنظر في القضايا المالية، إلا أن غياب المحاكم التجارية المتخصصة كان من أسباب بطء التقاضي التجاري، وعدم وضوحه للمستثمرين المحليين والأجانب، وعدم انضواء بعض دوائره ولجانه تحت مظلة المؤسسة العدلية؛ ما تسبب في تعرُّض المملكة للانتقادات الدولية، والحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتراجع تصنيف المملكة في سلم التنافسية العالمية التي تعتمد معيار التقاضي كمؤشر مهم من بين مؤشرات المناخ الاستثماري الشامل.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أصبحت الشركات العالمية والمستثمرون الأجانب يشترطون في عقود الشراكة مرجعية قضائية خارجية للفصل في أي نزاع مستقبلي يحدث بين الشركاء. قد يكون اشتراط محاكم تجارية محددة من الأعراف التجارية الدولية إلا أن تزايد طلبها محليًّا كان على علاقة بغياب المحكمة التجارية المتخصصة، وقوانين القضاء التجاري الصريحة.
لم ينعكس ضرر غياب المحكمة التجارية على المستثمر الأجنبي فحسب؛ بل تعداها إلى المستثمرين المحليين، الذين تسبب طول أمد التقاضي، أو جودته، في إفلاس بعضهم، أو خروج شركاتهم من السوق.
تدخل المملكة اليوم مرحلة جديدة من مراحل التقاضي التجاري بإنشائها المحاكم التجارية، وإطلاق أعمالها رسميًّا في الرياض والدمام وجدة، مع التوسع التدريجي في المناطق الأخرى حتى استكمال منظومتها الشاملة.
نقلة نوعية وتطور مهم في مسيرة القضاء، قد تكون متأخرة، إلا أننا نحمد الله على استكمالها، والبدء في تنفيذها، وندعو بالخير والبركة لكل من ساهم في إنشائها، وشدَّد على أهميتها القصوى للاقتصاد وللمنظومة العدلية المتوافقة مع الاحتياجات الملحة والمتطلبات الدولية.
قد تكون الدوائر التجارية المرتبطة بالمحاكم الشرعية حاليًا جزءًا من الحلول العاجلة لتغطية جميع مناطق المملكة ومحافظاتها الرئيسة إلا أن استقلاليتها المستقبلية يفترض أن تكون من الإجراءات المستدامة لأهميتها من جهة، وحجم العمل المتوقع مستقبلاً من جهة أخرى.
الشيخ الدكتور وليد الصمعاني، وزير العدل رئيس مجلس القضاء الأعلى، شدَّد على أهمية المحاكم التجارية، وأنها «ستسهم في تعزيز بيئة قطاع الأعمال، وتوفير مناخ اقتصادي، يسوده الثقة والاستقرار وحفظ الحقوق، والتشجيع والتحفيز على الاستثمار في المملكة، ودعم حراك التنمية الاقتصادية بما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030، كما ستحقق على مستوى التميز المؤسسي للقضاء تحولاً نوعيًّا، يتمثل في سرعة الفصل في المنازعات التجارية، وجودة المخرج القضائي». ولو دققنا فيما بين السطور لوجدنا أن ما ستسهم به المحاكم التجارية المتخصصة من إيجابيات كثيرة اليوم هو ما كنا نفتقده بالأمس، وما استوجب تحقيقه للوفاء بمتطلبات المعايير العدلية في القطاع التجاري. ولعل إشارة الدكتور الصمعاني لحجم طلبات التنفيذ التي بلغت قيمتها 200 مليار ريال في العام الماضي، تشكل الأوراق المالية ما نسبته 75 % منها، خير تأكيد لأهمية وجود المحاكم التجارية المتخصصة، والتوسع فيها.
إنشاء المحاكم التجارية المتخصصة، ووضعها تحت مظلة المؤسسة العدلية، لن يصحح أخطاء المرجعية النظامية فحسب، بل سيسهم بشكل مباشر في ضمان وجود القضاة الشرعيين الملمين بالأنظمة التجارية المحلية والدولية، وبما يضمن جودة الأحكام، وكفاءة العمل، وقِصَر زمن التقاضي، وتحسين بيئة الاستثمار، ودعم الاقتصاد الوطني في أهم مراحله الإصلاحية المرتبطة برؤية المملكة 2030.