من ضمن اهتمامات مجلس سدير في محافظة المجمعة الكتابة عن المساجد القديمة، والطلب من الأعضاء ذكر ما لديهم عن مساجد سدير القديمة، وأجدها فرصه لتسليط الضوء على أحد مساجد سدير، وهو جامع عشيرة القديم الذي تم ترميمه عدة مرات في سنين سابقة كما ذكره كبار السن، وأخيراً استقر رأي الجماعة على هدمه وإقامته من جديد مع توسعته وكان هذا في سنة 1349 هجريه أي قبل تسعين سنة. وكعادة أهل نجد فقد عمل الجميع في بناء المسجد من الحجر والطين والجص، وتم تقسيم العمل حينها إلى مجموعات فمنهم من كان نصيبه:
1- هدم المسجد وإخراج الأنقاض وحفر الأساسات .
2 - ومنهم من قام بتجهيز اللبن وتجفيفه .
3- وبعضهم تعهّد بقطع خشب الأثل وتهيئته.
4 - ومنهم من تعهّد بقطع الأحجار وتقريعها لتكون رابطاً بين السواري ويسمونها «قرون»، وهي مستطيلة الشكل بطول متر ونصف المتر وعرض خمسين سم وسماكة عشرين سم، ولثقلها فهي تنقل من المحاجر على الإبل وقد لا يستطيع الجمل حمل أكثر من واحدة.
5 - وكذا قطع حجر السواري وهي أحجار في شكلها الأخير دائرية وتقام منها الأعمدة التي يقوم عليها سقف المسجد.
6 - ومنهم من يحضر الأحجار المسمّاة بالفروش وهذه توضع لخفّتها فوق خشب السقف وتحت الطين. وتستخدم الفروش أيضاً لبناء الجصاص التي يخزن فيها التمر.
7 - ولا ننسى الذين يقطعون الجص من المجصة ويحرقونه ثم يدقونه ليكون ناعماً وصالحاً للاستخدام كمونة بين الأحجار والجص، تكسى منه الجدران والأعمدة فيجعلها بيضاء جميلة، ثم إن الجص هو مادة التزيين والتشكيل في الأعمدة والمحاريب في المساجد، كما هو الآن مع الأشكال الجبسية .
8 - إن بناء المساجد عمل جبار يشترك فيه كثير من المهنيين ويقال لمعلم البناء استاد ولمساعده مزوري ويشمل ذلك بناء الجدران ومشاشها بالطين المشبع بالتبن لتقويته وتماسكه.
9 - أما الذين يقومون بالتلبين في المطرح المعد سلفاً، فهم من المساعدين والعمال .
10 - ويطلق على الطين المهيأ للبناء واللبن غيلة وتسمعهم يقولون غيّلوا من آخر الليل حتى تشتد الغيلة وتصلح للعمل .
11 - والمساجد كغيرها من المباني يستخدم في أسقفها جذوع النخل وخشب الأثل مع القذال أو الجريد أو العشر والقليل يستخدم فيها الفروش كما أسلفنا .
12 - وللنجار عدة مهام فهو يقطع الشجر من أثل وجذوع ويعمل منها الأبواب والنوافذ والسواكيف وتعادل الجسور في وقتنا الحاضر كما يعمل منها الأقفال (المجرى) للأبواب الكبيرة مع تسنينها .
13 - ويعمل النجار على فرز الخشب فمنها الطويل المستقيم للسواكيف والأقل للأسقف.
14 - وحيث إن الأولين يعملون حساباً للبرد والشتاء فهم يحرصون على إقامة مصلى تحت المسجد يسمونه الخلوة يشبه القبو حالياً .
15 - والمرمل في الخلوة أقل عرضاً من المسجد، ولذا ينفع في سقفه الخشب القصير والأقصر منه للدرج .
16 - ومعلوم أن بعض الأبواب قديماً تصنع من الجذوع في الوسط والأثل من الجوانب ولا يوجد حلق للباب كما الآن، حيث يدور الباب في فتحة العتب فوق وعلى الصاير تحت والمثل يقول قديماً بابهم على صايرة أو أدق من تراب الصاير .
17 - إن العمل في بناء المساجد والمنازل الطينية القديمة يتطلب أشياء قد لا تخطر على البال في الوقت الحاضر ومنها الحبال والزبلان بأنواعها والفاروع والمقرعة والقدوم والهيب والمساحي والمحشات والليف وملاعق الجص والأسمنت والسلالم الخشبية، وكل هذه الأدوات تصنع محلياً، والمجتمع في ذلك الوقت مكتفى ذاتياً بمهنييه وقدراته وخاماته.
18- ولغرض الوضوء يحرص الأهالي على وجود بئر بجانب المسجد يشرب منها الناس وعابرو الطريق ويتوضأون كما يستحم أفراد البادية الذين يحرصون على صلاة الجمعة في الحواضر.
19 - وتسمى البئر المرواة أو الدلو اصطلاحاً على المكان الذي يشمل البئر والدلو وقرو للوضوء فيه عدة فتحات وقرو مرتفع للتروش وقرو للبهائم .
20 - وعادة ما تكون المرواة من أسبال المسلمين الدائمة ولها وقف للصرف عليها ويعهد إلى إمام الجامع تفقُّدها والحرص على توفر أدواتها.
21 - وعوداً على بدء فيما يخص جامع عشيرة في البلدة القديمة فقد اشترك في بنائه جميع الأهالي دون استثناء سواء بأيديهم أو بأموالهم أو بإحضار المواد المتوفرة من مزارعهم ونخيلهم . أو استخدام دوابهم في نقل الأحجار واللبن والتراب والماء.
22 - وقد توفر لنا بعد الانتهاء من العمل جامع يضم قاعة الصلاة الرئيسية وهي مسقوفة وتتسع لعدد ستة صفوف ثم باحة مكشوفة وتتسع لأربعة صفوف ثم باحة مسقوفة وتتسع لصفين يتم فيها تدريس الطلبة على شكل حلقات، وفي الأسفل خلوة المسجد وتتسع لستة صفوف وهي للصلاة أثناء موسم الشتاء.
ويجدر بالذكر أن إمام الجامع عبد اللطيف المغيصيب - رحمه الله - كان من استودية البناء وناصر الخرجي - رحمه الله - من استودية البناء ومتخصص بأعمال الجص، وقد كتب (حفراً) على محراب الجامع ضمن نقوش جصية جميلة هذه العبارة. (وقع الفراغ منه في شهر ربيع أول من عام 1351 هجريه بيد ناصر الخرجي) - ومنذ ذلك التاريخ وقبله وحتى عام 1374 - سنة افتتاح مدرسة عشيرة والجامع يتوفر على حلقات للتدريس والذكر يقوم عليها مشايخ من أسرة آل مغيصيب الذين توالوا على إمامة الجامع، بدءاً من جدهم عبد المحسن وإبراهيم وعبد العزيز وعبد اللطيف ومحمد وحتى خطيب الجامع الثاني حالياً الشيخ أحمد بن ابراهيم بن محمد المغيصيب.
23 - وأذكر أنني درست القرآن والهجاء على الشيخ عبد اللطيف وأخيه محمد في هذا الجامع حتى ختمت جزء عم وكنا نكتب على الألواح وعندما يقول الشيخ اغسل لوحك، فهذا يعني أنك حفظت واجتزت السورة المكتوبة وعليك الذهاب إلى الدلو لتغسل اللوح بالماء والتراب
24 - وعادة ان من يختم جزء عم أو غيره من الأجزاء يعمل أهله حفلاً يدعون فيه الشيخ والطلبة، ويتحرك الجميع من المسجد إلى منزل أهله وهم يرددون الأهازيج ومنها (خاتم جزء عم والمطففين جعله يختم الثلاثين) وفي المنزل يقدم الطعام المتيسر.
25 - وحالياً لو بحثت عن هذا الجامع لا تكاد تجده، فقد تم هدمه وأقيم على أنقاضه مسجد من الأسمنت المسلح.
26 - وعلى الجاد في الاطلاع على ما تبقى من البناء القديم الصعود إلى السطح والبحث عن المحراب وسيجد بقايا السور الغربي وجزءاً من المحراب مع شيء من الزخرفة والكتابة التي أشرنا إليها.
هذا ما تيسر ذكره عن العمارة في الزمن القديم عامة وعن جامع عشيرة خاصة.
** **
- عبد الله الخرجي
aokh129@gmail.com