د. جاسر الحربش
جرائم قتل الوالدين ليست من الجرائم الشائعة حتى في ذلك العالم الذي نظن بتفوقنا عليه أخلاقاًً وتديناًً، أو أن ترابطنا الأسري أفضل من المجتمعات الأخرى وعسير على التفكيك. جريمة قتل أقرب الأقارب وأشد الناس حناناً وحرصاًً على الذرية لا يمكن حدوثها بسبب الغضب الشديد أو الشعور بالظلم والإهمال أو الغيرة. وجود مثل هذه المشاعر مفهوم ويكون وراءه أكثر من غيرها الغيرة الساذجة المتبادلة بين الإخوة والأخوات وتتكرر في كل منزل عائلي، لكن عند بلوغها حدود الأزمة النفسية قد تنتهي بالهروب من المنزل وليس باستعمال العنف. من المؤكد أن المشاعر السلبية تجاه الوالدين أو أحدهما لن تكون كافية لاستعمال العنف الشديد، إلا أن يكون معها مرض عقلي شديد الوطأة أو أن يكون الفاعل تحت تأثير المخدرات.
كنا نقرأ ومنذ سنين عن جرائم قتل الأقارب في مجتمعات أخرى، فنستنكر ذلك باشمئزاز الأتقياء الأنقياء حتى بعد أن نقرأ أن المخدرات كانت هي السبب، ثم نقول بكل بساطة إن تلك المجتمعات فاسدة ومخلخلة عائلياًً واجتماعياً، وقد يجتهد البعض بإضافة ضعف الوازع الديني، وكأن مهاويس داعش والقاعدة لا يقتلون أهلهم وأقاربهم بسبب الجرعة الدينية الزائدة. للأسف في السنوات الأخيرة وصلنا إلى ما وصل إليه آخرون من تكرر الجرائم البشعة ضد الوالدين والأقارب، وأحداث العنف الشديد ضد آخرين دون سابق معرفة للفاعل بهم وفي وضح النهار أمام إشارات المرور. ابن يدهس والدته بالسيارة لتموت تحت العجلات، وآخر يسكب البنزين على والده ويشعل فيه النار، ومهووس بمفهوم الجهاد الدموي يغتال بعض أو كل أهل بيته بالسكين والرصاص، وشاب يترجل من سيارته ليضرب سائقاً آخر بالساطور ويرديه، ومرافق سائق عند محطة الوقود يختطف العامل إلى داخل سيارته ليسلب ما معه من نقود، وهكذا.
هذه ليست أفعال أمراض عقلية مفاجئة هبطت علينا من السماء، بل أفعال أمراض سببتها المخدرات التي انتشرت بشكل مزعج بين الشباب من الجنسين. ما زلنا نقول نحن مجتمع مستهدف محسود على دينه واستقراره وثروته. لا بأس بهذا القول كمحفز لبذل المستحيل للمحافظة على هذه الميزات، ولكن ذلك لا يكفي. يجب أن نعرف بالضبط لماذا يسهل على المستهدِف (بكسر الدال) التعرف والوصول إلى المستهدَف (بفتح الدال)، ولماذا، وكم نسبة السعوديين الفاعلين في التخطيط واختيار الضحايا والتوزيع، وكذلك لماذا، وهل بينهم من يصعب الشك أو التعرف أو الوصول عليه وإليه؟
يجب أن نضع أمامنا الحقيقة التالية: طالب واحد يروّج المخدر يستطيع تخريب فصل ومدرسة كاملة، وابن أو ابنة تورط في الإدمان يستطيع تخريب بيت بكامله وربما بيوت الجيران والأقارب كذلك. التباهي بكميات المخدرات التي يتم اكتشافها والقضاء عليها أمنياً لا تبعث على الاطمئنان بل تزيد المخاوف من كمياتها الضخمة ومما قد يكون أكثر ولم يتم اكتشافه. لنتذكر أن ذلك المزيج من الحروب الأهلية المدمرة المستمرة وخراب الديار في أفغانستان والعراق وأجزاء من باكستان سببها المخدرات وتجار المخدرات.