د. محمد عبدالله العوين
يمكن لنا القول إن الرئيس الأمريكي ترامب بدأ الآن في خطوات إنهاء مخطط الفوضى الخلاَّقة التي بدأها بوش الابن ثم سارع بتنفيذها أوباما، وهي خطة طويلة مضمرة في الدراسات الإستراتيجية للفكر الصهيوني المتغلغل في عدد من مراكز صناعة القرار السياسي الأمريكي ومن أبرزهم برنارد لويس في جل كتبه ومحاضراته.
بدأ إلحاح الخوف على إسرائيل عند صقور اليهود كسينجر بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973م فكان لا بد من خلخلة التركيبة السياسية العربية في عمل مشابه لما حدث عام 1916م في خطة سايكس - بيكو في أثناء الحرب العالمية الأولى وبداية انحسار مد الخلافة العثمانية وقرب سقوطها فتم تقسيم الدول العربية ورسم حدود جديدة واحتلال عدد منها كغنيمة حرب، وخطة برنارد لويس وهنري كسينجر بعد هول ما أصاب إسرائيل من هزيمة نكراء بعد وحدة الموقف السياسي والعسكري بين مصر والسعودية وروح تضامن عربي قوية أن تعاد خطة التقسيم بصورة جديدة تناسب إيقاع وقضايا العصر وتأزمات الشعوب العربية وتلبي مطالب الأقليات والطوائف وتفيد من ثورة تكنولوجيا الاتصال؛ فتم احتضان الخميني لينهض بالدور الرئيس في التمزيق بإثارة البعد الطائفي بين السنَّة والشيعة ومكافأة الفرس بتحقيق أحلامهم المزمنة باستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وتمت خطة إعادة رسم جغرافيا المنطقة على مراحل حسب الظروف المواتية، وكانت البداية الزج بالعراق في حرب طاحنة مع إيران الخمينية بعد قيام ثورته المشؤومة مباشرة، وإذ لم تحقق الهدف المنشود؛ بل زادت قوة العراق قوة بتضامن المملكة معه زج به في حرب جديدة بخطة محكمة مع جيرانه أنصاره في حربه الأولى مع إيران، وهكذا تواصل مخطط إسقاط العراق لتدمر قوته وليسلم في عهد بوش الابن كاملاً بعد احتلاله أمريكيا إلى إيران؛ لتبدأ برعاية أمريكية غربية في التوسع والتمدد في المنطقة العربية، وليكمل عهد أوباما المرير خلال ثمان سنوات ما بدأ سلفه بوش الابن في السنوات الثمان السابقة بإطلاق شرارة «الفوضى الخلاّقة» التي أوقدت الثورات في خمس دول عربية، وكان المأمول من واضعيها ألا تدع عاصمة عربية إلا وأكلتها نيران ثورات الربيع العربي المزعوم؛ ولكن الله سلّم بوعي وحزم قيادة بلادنا والمخلصين من قادة دول الخليج والأمة العربية.
وكان من عوامل فشل ما سُمي بالربيع العربي انتهاء فترة رئاسة أوباما ووصول الحزب الجمهوري وعلى رأسه ترامب إلى سدة السلطة في أمريكا، وقد تجلّت له آثار الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وانتشار مد الإرهاب والتطرف إلى عواصم العالم ومنها المدن الأمريكية وكان إحدى أدوات إثارة الفوضى ولإشعال نار الصراع بين الجماعات والطوائف والأقاليم في المنطقة العربية، وقد بذلت القيادة السعودية جهوداً خفيَّة ومعلنة قبل وصول ترامب للسلطة وفي أثناء الانتخابات لكشف آثار ومستقبل العالم إن استمرت فوضى المنطقة العربية، وقدمت الدلائل والوثائق عن الجماعات الإرهابية والدول التي تتبناها وتحتضنها وتدعمها كإيران التي كلّفت بذلك من قبل واضعي « الفوضى الخلاّقة» وضرورة الإسراع في القضاء على مراكز صناعة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى المنطقة والحفاظ على تركيبتها السياسية لينعم العالم بالسلام.
والتقى مفهوم الرئيس ترامب مع الرؤية السعودية في أن مصلحة أمريكا ودول العالم والعرب في إنهاء مرحلة الفوضى بالسرعة الممكنة ومعالجة آثارها الدامية.
وهكذا بدأ ترامب في خطوته الأولى الجريئة التي أعلنها يوم الجمعة الماضية 13 من أكتوبر 1917م بوصف إيران بالدولة المارقة والتصريح بأنها صانعة الإرهاب وحاضنته وداعمته على مستوى العالم، وأنها خطر على السلام العالمي وتثير الخوف والقلق على الملاحة في الخليج والبحر الأحمر، وأعلن لأول مرة في السياسة الأمريكية أن الخليج عربي، وأن أدوات الدولة المارقة لا بد أن يقضى عليها معها في خطوات متراتبة على مدى زمني محدد، فبدأ بتكليف وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على «الحرس الثوري» وعلى «حزب الله» اللبناني، وأعلن بصراحة تامة أن الاتفاق النووي مع إيران أسوأ اتفاق أبرمته الولايات المتحدة في تاريخها، وأنه يشكِّل خطراً فادحاً على أمن أمريكا ومصالحها وحلفائها، ومن بدأ الخطوة الأولى في إلغاء ذلك الاتفاق بتكثيف فرق التفتيش وتمكينها من الدخول إلى المفاعلات المحجوبة أو غير المعلنة، وكأنه يمهد لحصار اقتصادي خانق بحجة مخالفة الاتفاق المبرم مع 5+1 الذي ربما ينتهي إما بثورة شعبية من الداخل على نظام الملالي أو مواجهة عسكرية بعد إنهاكه.
ترامب بدأ مرحلة ترميم جراح المنطقة والعالم من عهود سابقيه.