عمر إبراهيم الرشيد
لعل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) تمثل الوجه المضيء للمنظمة الدولية ككل، لأن المنظمة الدولية وأقصد بها هيئة الأمم المتحدة، لا تحظى لا بالهيبة المفترضة كشرطي يضبط أمن العالم، ولا هي قادرة على حل النزاعات بين دوله حلاً جذرياً، باستقلال وحيادية ومن غير ضغوط من القوى الدولية المعروفة. اتجهت منظمة اليونسكو ومنذ تأسيسها عام 1945 إلى الميادين التربوية والتعليم والثقافة، مما أكسبها احترام العالم وتعاون بعض الدول المقتدرة مادياً، وتفاعل الأخرى معنوياً وبشرياً ولوجستياً.
وفي رأيي أن هذه المنظمة المرموقة أظهرت للعالم استقلالية أكثر وهيبة أكبر، حين أنكرت -مؤخراً- حق إسرائيل تاريخياً في الآثار العربية الفلسطينية، وأنها إرث تاريخي عربي صرف، عدا عن التفاتتها إلى بلدان العالم أجمع، داعية إلى السعي لتسجيل تراثها وآثارها، وإضافة المتفردة منها إلى عجائب الدنيا، عبر التصويت الشعبي الحر، مما أعطى هذه المنظمة الصورة المضيئة لدى الشعوب والحكومات على حدٍّ سواء، ولفتت أنظار الشعوب ومنظمات المجتمع المدني والحكومات إلى أهمية الثقافة على اختلاف ميادينها، وقيمة الإرث الحضاري المادي والمعنوي. ومن ذلك تسجيل بعض آثار المملكة كمدائن صالح -على سبيل المثال- على قائمة التراث العالمي، مما وضع المملكة في محط أنظار الشعوب المتحضرة بآثارها وتراثها قبل نفطها واقتصادها ومكانتها السياسية الدولية.
قبل أيام، سحبت الولايات المتحدة الأمريكية عضويتها من اليونسكو، ولعل هذا في تقديري عائد إلى الانكفاء التدريجي والانسحاب الجزئي من الحضور الطاغي الذي كانت عليه قبل عام 2000م. العامل الاقتصادي حاضر دون شك في هذا الانكفاء، بالنظر إلى تعاظم الديون الداخلية لهذه الدولة ووصولها إلى أكثر من 19 تريليون دولار، مهددة بقنبلة اقتصادية قد يمتد تأثيرها على العالم بأسره، إضافة إلى تراجع الحضور السياسي الفعال مقارنة بأدوار أمريكا منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية وتبوئها مكانة شرطي عالمي مهيب، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فأين صارت الآن؟!. لقد اتجهت البوصلة الدولية إلى العملاق الأصفر الصيني والقطب الروسي.
قد تخسر اليونسكو دعماً كانت تتلقاه من الحكومة الأمريكية مادياً كان أو معنوياً كما عبّرت عنه المنظمة تعليقاً على قرار الانسحاب، لكن هذا الانسحاب أيضاً يعطي هذه المنظمة المرموقة حرية الحركة والعمل دون ضغوط من أمريكا، لاستغلال الميدان الثقافي لأهداف سياسية، كما في حالة قرارات اليونسكو بحق (إسرائيل) ومن يلف لفها، هذا إلى جانب استعداد دول أخرى لسد هذا النقص المتوقع ولو جزئياً، وخبرة هذه المنظمة المتراكمة لعقود من الزمن لتدبير مواردها، إضافة إلى رصيدها المعنوي لدى شعوب ومنظمات المجتمع المدني عالمياً، المهم أن تبتعد عن تأثير المال القطري في شراء نجاح مرشحها لرئاسة هذه المنظمة المرموقة، إلى اللقاء.