د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
أكتب هذه الأحرف وفي النفس آهات أرددها! وذكريات أعتز بها، وليالي أَجْمِل بها، فما أحلى تلك الأيام! وما أسعد هاتيك الذكريات!
اثنتا عشرة سنة مضت قضيتُها مع رجال عرفتهم في بقعة من أحب البقاع، عشنا كالأسرة الواحدة ألقاهم في اليوم خمس مرات وربما تزيد!
مضت تلك السنون كحلم ليل! ما أسرع مضيه، وما أعجل ذهابه!
فارقت رجالاً أخياراً فيما أحسبهم والله حسيبهم وقلبي في محراب ذلك المسجد مربوط! وعلى بُعد فراقهم غيرُ مغبوط!
لله الأمر من قبل ومن بعد، فإلى جماعة مسجد طيبة بحي الوادي بمدينة الرياض سلام الله عليكم بكرة وأصيلاً، ودمتم لمحبكم ذخراً وظهيراً.
كم كانت كلماتكم النابعة من القلب لها على محبكم أعظم وقع، وأكبر أثر!
ويوم الخميس في غرة عام 1439 - 1/1 يوم لا ينسى فبعد أداء صلاة العشاء من ذلك اليوم ألقيتُ على مسامع الرجال الأوفياء كلمات التوديع المخلوطة بنبرات الحزن فقاموا بعدها يعانقون أخاهم بألفاظ ملؤها الحب وشعارها اللطف والدفء!
بل ولا أنسى دموع رجال نزلتْ عند التوديع حتى كدت أبكي معهم!
ويمين كيمين النابغة الذبياني لا يمين إمرؤ قيس أني لم أتوقع ولا ربع هذا الموقف وذلك الود، ولا عُشْر هذا التوديع وتلك المشاعر - لا شكاً في أولئك الرجال وحاشاهم وهم كما قال حسان رضي الله عنه:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
شم الأنوف من الطراز الأولِ
لكن التقصير مني حاصل، ومع ذلك تغاضوا عن كل تقصير ونظروا إلى المحاسن -إن كانت موجودة! فاللهم رحماك بهم.
وشكراً شكراً على كل ما فعلتموه وما قدمتموه للمسجد ولأخيكم ولا أنسى حارس المسجد والعاملين في الحي من سائق وخادم، وكذلك بقية الإخوة في المحلات التجارية التي بجوار المسجد، إذ قاموا بتوديع أخيهم تلك الليلة...
ولا أذيع سراً، ولا أفشي خبراً أني منذ سنين في مواطن الإجابة وأنا أدعو لجماعة المسجد وجيرانه بالتوفيق والفلاح وأن يصلح لهم نياتهم وذرياتهم.
ولعل من الأسباب التي جعلت جماعة المسجد تظهر تلك المشاعر جزاهم الله خيراً عدم إقحام النفس فيما لا يعنيها لا سؤالاً ولا استخباراً، وكذلك عدم التأخر عن موعد إقامة الصلاة قدر الاستطاعة، وقد نبهتُ النائب على أنه حين أتأخر دقيقة عليه بإقامة الصلاة فربما دخلتُ المسجد والصلاة يقام لها!
وكذلك كنتُ حريصاً على مراعاة حال المصلين فلا تطويل في صلاة فرض حتى لا تلحق المشقة بأحد، وأذكر مرة أن أحد المارة قال: إن صلاتك خفيفة! فقلت له: وهل اختل ركن أو واجب أو طمأنينة؟ فقال: لا، فقلت: الحمد لله، ومن اللطائف أن اليوم الذي يلي كلام هذا الأخ كانت محاضرة في المسجد لشيخنا العلامة عبدالله بن غديان رحمه الله، فلما ذهبتُ بالشيخ رحمه الله إلى منزله، قلت له: هل لاحظتم يا شيخنا خفة في أداء الصلاة وسرعة فيها؟ فقال رحمه الله: شغلك مضبوط ولا تلتفت إلى كلام الناس فبعضهم ما عنده إلا الحكي!
عوداً على بدء فإلى جماعة مسجد طيبة أحسن الله إليكم، وغفر لكم، كم غمرتموني بلطفكم، وأكرمتموني بحسن تعاملكم، ورفيع أخلاقكم، كم استفدتُ من جواري لكم؛ إذ تعلمتُ من كبيركم، وأَنِسْتُ بكم، وسعدتُ بمعرفتكم، وستظل ذكراكم بإذن الله في القلب محفورة، وفي الذاكرة مسطورة، لا شتت الله لكم شمل، ولا فرق الله لكم جمع، وجمعنا جميعاً ووالدينا مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة.
كتبه محبكم بلا ريب والداعي لكم بظهر الغيب