د. فيصل صفوق البشير المرشد
كان وسم على جبين كل مواطن سعودي معارضا أو مؤيدا لقيادة المرأة للسيارة. نحن مواطنو البلد الوحيد في العالم الذي لا يسمح للمرأة بقيادة المركبة. أحرجنا هذا الوسم في كل المحافل الدولية وفي بيوتنا وفي ضمائرنا ليلا ونهارا، وعشنا مع هذا الوسم سنين طويلة حتى فقدنا الأمل بإزالته يوما ما.
تغنى ذلك المتحدث السعودي فترة الطفرة المالية الأولى، سبعينيات القرن الماضي، بما قامت به السعودية من تنمية وكيف أنها وظفت الأموال المتدفقة آنذاك لدفع معاناة الشعب السعودي من الفقر والمرض والجهل حفظا لكرامة الإنسان وصيانتها على الدوام.
وأنهى حديثه في دافوس في سويسرا عام 1978 م بالتغني فخرا بأن المملكة العربية السعودية تنتج من البترول أكثر مما تحتاجه لتنميتها، من أجل صحة الاقتصاد العالمي وحتى لا يتضرر البشر من ركود الاقتصاد الدولي. فصفق الحضور تصفيقا حارا وخاصة أنها الفترة الأولى التي بدأ العالم يهتم بما يحدث في السعودية، وشعر المستمعون أن ما ذكره المتحدث يثلج الصدر ويبهج النفوس. وما أن جلس المتحدث حتى قام أحد الحضور وقال (وهو من جنوب إفريقيا العنصرية آنذاك):
السائل: لقد ذكرت أن المملكة تضحي من أجل رفاهية العالم فلماذا تمنعون تصدير البترول إلى بلدي جنوب إفريقيا، وأنتم بهذا تعاقبون الناس الأبرياء والذين لا ذنب لهم سوى أنهم من جنوب إفريقيا.
المتحدث السعودي: يحدث أحيانا لغرض تنفيذ هدف نبيل الإضرار ببعض الأبرياء، لكن إنني فخور بسياسة بلدي لمقاطعة دولة جنوب إفريقيا العنصرية والتي تعامل أكثر مواطنيها معاملة لا إنسانية. ولا شك أن من يؤمن بتلك العنصرية ليس من الناس الأبرياء المتضررين من المقاطعة. بل يجب أن أضيف أننا سعداء بتضرره. فضجت القاعة بالتصفيق. وبعد هذا انتشى المتحدث السعودي فخرا ورفع رأسه عاليا. وما هي إلا برهة وعاد السائل..
السائل: بما أنكم، كما تدعي ضد التمييز فلماذا لا تسمح لإناثكم بقيادة السيارة وكأنكم بذلك المنع تسجنون الأنثى السعودية في منزلها وتحرمونها من حرية الحركة. أليس في ذلك إنقاص من حقها كإنسانة؟
وخيم السكون على القاعة وشعر المتحدث السعودي بأن كل أعين الحضور متجهة نحوه وكأن ناظريها لا يصدقوا ما سمعوا وتوقعوا جوابه. وبقي السعودي صامتا لا ينطق بكلمة. وبعد الفخر والاعتزاز بمنجزات بلده وشرحها للحضور، تحقق أن الوسم أصبح واضحا على جبهته بأنه مواطن البلد الوحيد في العالم الذي لا يسمح بقيادة المرأة.
وفي 2016 م وقف نفس المتحدث ليتغنى مره ثانية وثالثة إلى ما لا نهاية بالتطور الذي حدث في المملكة لرفع مستوى المعيشة للمواطن السعودي من مسكن وصحة وتعليم وتجهيزات أساسية لدفع عجلة التنمية، وحيث إنه يشعر بالألم والحزن من عدم قدرة المرأة السعودية بقيادة السيارة كل هذه السنين، حاول أن يعوض ذلك بالقول إنها المرأة السعودية تتبوأ الآن مراكز عالية في التعليم والطب والأدب وحتى عالمة في الصواريخ. وظن المتحدث السعودي بأنه أنصف بلده وتصرفها ومعاملتها للمرأة السعودية. وعندها انبرى له أحدهم وقال بما أنكم فعلتم كل هذا لبلدكم من تنمية لرفاهية الإنسان، لماذا لا تسمحوا للمرأة السعودية بقيادة السيارة؟
وهنا تحقق المتحدث السعودي أن الصمت لا ينفع وأن هذا السرطان لن يختفي من أذهان الناس، وحيث إن لا حول ولا قوة له بهذا الشأن وهو المتألم بالسر والعلانية من هذا المرض انفجر وقال: بكل صراحة أستطيع أن أحلل وأجيب على كل شأن في المملكة العربية السعودية تقريبا بما فيها ما يسمى الديموقراطية، وأعتقد أنني سأحاجج بمنطق واضح ومؤمن به، إلا معاملة بلادي للمرأة وخاصة بموضوع قيادة السيارة. عندها شعر المتحدث السعودي بالشفقة من الحضور وأسدل الستار على ما ذكر من إنجازات واعتقد أن منع قيادة المرأة للسيارة عالقا أكثر في أذهان الحضور.
لقد أحرجنا هذا الأمر في كل المحافل الدولية وآلمنا في وطننا وخسرنا بسببه ماديا ومعنويا الشيء الكثير. ويا لفرحة العمر والزمان كله حين أعلن من انتصر للمواطن من الأمير والوزير الملك المفدى سلمان السماح للمرأة بقيادة السيارة. فبقراره هذا أعاد الكثير من كرامة المرأة المنقوصة، وحرر ضمائرنا من الذنب الذي عشناه طويلا، وزاد من كفاءة عامل إنتاج لدفع التنمية إلى الأمام وهو بذلك كذلك أزال الوسم من جبهة كل مواطن سعودي إلى الأبد، فلك منا جميعا يا خادم الحرمين كل الشكر والعرفان وليجزيك الله خير جزاء عما فعلته.