لبنى الخميس
لطالما كانت قضية انشغال الجيل الجديد حد الهوس والتعلق محل اهتمام وموضع شغف للقراءة والتحليل بالنسبة لي .. في هذا المقال سأتناول بصدق وشفافية الأسباب والمخرجات التي أحسب أنها تقف خلف هذه الظاهرة.
يأتي الفراغ في مطلع الأسباب ومقدمتها، إذ تحتوي حياة الكثيرين على كل شيء عدا الحياة، حين يختزل نشاطهم وينحصر تواصلهم مع العالم في جهاز ذكي يدعى آي فون، ينمو من خلاله وعيهم التواصلي، ويقررون بشكل أو بآخر بأنهم يسخِّرون ما يوفره من خيارات تقنية عالية الدقة والذكاء في مراقبة حياة الآخرين .. ماذا يرتدون؟ .. كيف يعبرون؟ .. أين يسافرون؟ .. كيف يبدو ديكور صالتهم المنزلية؟ وغيرها من التفاصيل اللي ينغمسون فيها تدريجياً بدلاً من الانشغال بتفاصيل حياتهم الخاصة.
ثانياً، غياب القدوات ذات المحتوى العميق يسهم بشكل كبير في بروز كائنات تتكاثر على السطح .. وتتغذي على الانتشار والضوء .. على الرغم من أن مجتمعاتنا زاخرة بالشخصيات الملهمة في مجالات الطب والأدب والإعلام .. فبيننا العالمة والكاتبة والمستشارة .. وحولنا من أفنى حياته في الاختراع والابتكار والتطوع. هذا الفراغ والافتقار للقدوة ساهم في خلق استعداد عال للانجذاب والإعجاب بأي رمز يملأ هذا الفراغ ويمنحهم الشعور بالامتلاء والانتماء لشيء ما.
ثالثاً، اليوم حين تسأل شخصاً عن سبب قبوله للمحتوى السطحي الذي يقدمه البعض عبر هذه المنصات .. سيستغرب ويستنكر سؤالك .. كون السوشل ميديا أصحبت مرتبطة بهذا المحتوى والمستوى .. لدرجة وضعت من يقدم بضاعة ثقافية أو إثرائية في هذا السوق الكبير موضع سخرية وتندر .. فتبرمج الكثيرون على أن هذه هي السمة العامة .. وقبولها شرط غير معلن لانخراطك في هذا العالم ومواكبة العصر وعدم الشعور بالاغتراب الاجتماعي .. دون أن يتساءل من سن تلك القوانين .. وأرسى تلك القواعد العامة؟ برأيي هي: ثقافة القطيع!
أما المخرجات .. فحدِّث ولا حرج .. أهمها كثافة في الاتصال وفقر في المخرجات .. فعلى الرغم من قضائنا وقتا طويلا على مواقع التواصل الاجتماعي .. يظل الكثيرون عاجزين عن معرفة تفاصيل آخر مستجدات العالم .. اسأل الجيل الجديد مثلاً .. ما هو السليكون فالي؟ من فاز بجائرة نوبل للسلام هذا العام؟ أين يقام المنتدى الاقتصادي العالمي؟ سمِ 7 وزراء سعوديين؟ البعض سيتردد قبل إعلان إجاباته عن سؤال واحد من الأسئلة التالية .. كون اتصالنا مع العالم بات ناقصاً مبتوراً ومشوهاً.
أحد أخطر مخرجات إدمان السوشل ميديا هي تقديسنا للمظهر مقابل الجوهر .. فكثير من مشاهير التواصل الاجتماعي .. يظهرون للناس بصورة مثالية وهم يرتدون أجمل الثياب ويركبون أفخم السيارات ويتزينون بأفخم القطع والحلي .. ولكن بعقول مغيبة وفكر سطحي وأهداف مشوشة .. دون أن نلاحظ خطورة هذه الفجوة، كوننا أدمنا الحكم على المظهر وأهملنا ما يمنحه بريقه الحقيقي وهو الجوهر.
أخيراً.. قصة الكثير منا في متابعة المشاهير بدأت بزر متابعة عفوي وتحولت مع مرور الشهور والسنوات إلى إدمان وتعلُّق .. دفع البعض لهوس ملاحقتهم والعمل بوصاياهم بل والاقتداء بهم. وإذا طالبت أم أبناءها بعدم متابعتهم أو أوصت صديقة براحة استبدالهم ضحك البعض ساخراً .. هل سيوقف خيار عدم متابعتي طوفان المتابعين .. المدمنين .. المتعلقين؟ فولو أو انفولو ماذا سيغير؟ الجواب: سيغير حياتك أنت .. خيار متابعة شخص ما هو قرار واعٍ منك بإدخاله إلى حياتك .. ضيفاً طويل الأمد .. يحادثك.. يؤثر بك.. يشاركك ذوقه، فكره، قيمه، وأنماطه الاستهلاكية .. فكن واعياً حاذقاً بمكن تستضيف في بيتك الصغير.