الدمام - فايز المزروعي:
أكد خبير في السياسات النفطية والبيئية، أن المملكة تتقدم بخطى ثابتة وبكفاءة متسارعة نحو تغير عميق في الإصلاحات الاقتصادية، لتحقيق أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي في المملكة.
وقال رئيس مركز السياسات النفطية والبيئية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي، في حديث خاص لـ»الجزيرة» إنه تم تحديد مسيرة المستقبل وإنجازها وتحقيقها بتواريخ محددة وفي دفعات قوية لمنهج التحول الوطني في رؤية 2030م، متضمنة إصلاحات ضخمة وشاملة بآليات محددة بما في ذلك تحرير الأسواق من خلال خصخصة القطاعات المختلفة من نشاطات المملكة الاقتصادية، هادفا في ذلك إلى رفع مستوى الشفافية والمراقبة والإدارة الفعالة، بعيدا عن البيروقراطية وترهلاتها غير المحمودة.
وقال الدكتور أبانمي «هذا البرنامج الإصلاحي الكبير تجسد في الرؤية الواعدة طويلة الأجل لاقتصاد أقل اعتمادا على النفط كحافز لتحسين التوازن المالي للمملكة، من خلال تحديث وغربلة الاقتصاد وإصدار القوانين المناسبة لترسيخ الاستقرار الاقتصادي، إلى جانب بقية الإجراءات التي تساعد على تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على مورد النفط فقط، حيث تبين التحليلات الموضوعية والمحايدة بقوة أساسيات الاقتصاد السعودي التي تمكنه من مواصلة البناء لاقتصاد حيوي وبمجتمع تكافلي يعم فيه الازدهار»
وأضاف أبانمي: «لا شك بأن خطة الإصلاحات الاقتصادية السعودية تتحرك في الاتجاه الصحيح، والذي تبينه التقارير الدولية المحايدة، ووفقاً لبعض الإحصائيات العالمية المعتمدة، فإن الاقتصاد السعودي مستمر في النمو والتحسن، ويتوقع أن يحقق زيادة في الميزانية بأكثر من 90 مليار دولار، أي ما يزيد على 340 مليار ريال بحلول عام 2020م، وذلك كنتيجة لخطط الإصلاح الاقتصادي، كما إن نسبة فرص العمل وبرامج دعم المواطنين سترتفع وستصل العائدات غير النفطية بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة والرسوم المفروضة على التبغ ومشروبات الطاقة، إلى 4.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، كذلك تشير توقعات بعض المراقين ومنها صندوق النقد، بأن الاقتصاد السعودي سينمو هذا العام بنسبة 0.1 بالمائة و 1.1 بالمائة عام 2018م، مع استمراره في النمو، بينما يتوقع أن ينمو القطاع غير النفطي المحرك الرئيس لخلق فرص العمل بنسبة جيدة تصل إلى 1.7 بالمائة.»
وبين أبانمي، أن ترميم إرث ما يقارب خمسة عقود من الزمن، أي من أول خطة خمسية عام 1970م إلى وقتنا الحالي والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل ولم يتسنى لكل الخطط المتتالية أي من ذلك، إذ استمر الاعتماد شبه الكلي على الواردات المالية من النفط فقط بل أكثر من ذلك استنزاف تلك الواردات المالية اللامتناهية من خلال الدعم الحكومي اللامحدود وعلى كافه القطاعات الزراعية والصناعية، وكذلك المواد الاستهلاكية والمحروقات، حيث إن ترميم هذا الإرث الضخم (أي الاعتماد على مورد مالي من النفط فقط والذي يصرف جله على الدعم) الذي أثقل كاهل الوطن وبالتالي لامحالة سيرهق كاهل الأجيال القادمة لو ترك من دون تغيير، مشيرا إلى أن جميع ذلك يتطلب ضخامة في الرؤية والسرعة في التحول الجذري، وما يتطلبه من تضحيات على المدى القريب، خصوصاً وأن هذا الترميم تأخر كثيرا أي أكثر من خمسة عقود، مما يعني صعوبة التأقلم على المدى القصير لبعض شرائح المجتمع، والتي تتركز في زيادة التكلفة المعيشية وارتفاع أسعار بعض السلع الاستهلاكية، وهو أمر طبيعي لأنه لو كانت تلك التغييرات الجذرية قد اتخذت بجدية وعزم في وقت مبكر لكانت ستقل المعاناة.
وقال:»إن هذه النقلة التاريخية التي تقبل عليها السعودية، سواء من خلال برنامج التحول الوطني أو عبر بوابة رؤية المملكة 2030م، لا بد للمسؤولية الاجتماعية المتنامية في بلادنا أن تكون في قلب الحدث، وأن تواكب التطور والتغيير الإيجابي الكبير لأجل مواكبة روح الرؤية، ومفهوم التحول الوطني، فتأثر بعض شرائح المجتمع على المدى القريب بهذه التحولات الضخمة والجذرية والمهمة هو أمر طبيعي، ويتوجب التعامل معه بروح التكافل الاجتماعي، وهذا ما يتم اتخاذه من إجراءات وقائية، حيث رأينا في المقابل زيادة في المبالغ المخصصة للشئون الاجتماعية ولذوي الدخل المتدني، وكذلك من خلال مبادرة الحكومة في إنشاء حساب المواطن على المدى المنظور والتي من شأنها زيادة قدرة المواطن من الطبقة الأقل دخلا، وكذلك المتوسطة، على مواجهة هذه القرارات ورفع المعاناة لتجاوز بعض الصعاب والتأقلم في الأجل القصير، كما أن الطبقة الأكثر دخلا والشركات المستفيدة الأكبر من الدعم الحكومي اللامحدود والتي من خلال ذلك الدعم سواء كان قروضا حكومية زراعية أو صناعية أو أسعار الغاز شبه المجاني، وما شابه ذلك من استحواذ النصيب الأكبر من الموارد المالية الضخمة الوطنية على مدى العقود السابقة يتطلب تفعيل دورها الاجتماعي بشكل أكبر، وأن تقوم بسداد ديونها تجاه الوطن، وأن تتحمل بعض من الأعباء المالية تجاه الشرائح الاجتماعية الأقل دخلا، وذلك بقيام الحكومة بسَنّ قوانين وأنظمة تسهم في تطوير المسؤولية الاجتماعية للطبقة ذات الثراء العالي في المجتمع وتفعيلها وإيجاد مظلة أرفع وأوسع لكي تقوم بدورها الوطني تجاه الشرائح الأقل دخلا، خصوصاً في ظل هذه التحولات الجذرية التي تصب في مجملها في صالح التنمية والبناء والتقدم والتطور الذي يضع السعودية بمكوناتها وشرائحه الاجتماعية وشركاتها ضمن مصاف الدول الكبرى اقتصاديًّا».
وأكد رئيس مركز السياسات النفطية والبيئية والتوقعات الاستراتيجية، أن رؤية المملكة 2030م تعمل حاليا من خلال أهدافها المعلنة إلى التطبيق الفعلي لما فيه مصلحة البلاد ومواطنيها، حيث تريد أن تحول شركة أرامكو السعودية من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي يعمل في جميع أنحاء العالم، وتحوّل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، مع تحفيز كبريات شركاتنا السعودية لتكون عابرة للحدود ولاعبا أساسيا في أسواق العالم، بالإضافة إلى تشجيع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة، مع حرصها على أن يبقى تسليح جيشنا قويا، وفي نفس الوقت أن نصنّع نصف احتياجاته العسكرية على الأقل محلياً، لنستثمر ثروتنا في الداخل، وذلك من أجل إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية والاقتصاديّة.