خالد بن حمد المالك
فرَّط الرئيس الأمريكي السابق أوباما بهيبة الولايات المتحدة الأمريكية، وقادها بقرارات متسرعة إلى ما جعلها كما لو أنها دولة هامشية وليست زعيمة العالم، وأظهر في ولايتيه أنه كان يتصرف دون النظر إلى مصالح أصدقاء وشركاء أمريكا التاريخيين، وظل يدافع عن مواقفه دون أن يقنع بها الأعداء فضلاً عن الأصدقاء، لكنه وإلى اليوم الأخير له في البيت الأبيض لم يتنازل عن سياساته التي أضرت بدول منطقتنا، ولم يستجب للنداءات التي كانت تصدر من هنا وهناك محذِّرة من مغبَّة الاستمرار في دعم قرارات لا مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية ولا لحلفائها فيها.
* *
أمس خرج إلى العالم الرئيس الأمريكي الشجاع ترامب ليقول كلمته، وينفذ ما وعد به ناخبيه والعالم بشأن الدولة المارقة إيران، التي ظلت لا تلقي بالاً للتحذيرات، وتؤجج المشاكل في الدول المجاورة لها، وتمول الإرهاب، وتتآمر على دول المنطقة، وتضلل العالم في مواقفها المشبوهة، ولا تلتزم بما تتفق عليه مع الدول، وتستمر تمارس العدوان دون أن تخاف من المحاسبة، مخدرة بما كان لأمريكا من سياسات مهادنة وأحياناً داعمة إبّان فترتي الرئاسة للرئيس الأمريكي السابق أوباما، غير أن الحال تغيرت وباتجاه معاكس وموجع لإيران مع انتخاب الرئيس ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
* *
فقد أعلن البيت الأبيض عن الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب حيال إيران بتفاصيل جديدة لم يسبق أن أعلن عنها بهذا الوضوح، ولعل الرئيس قد ضاق ذرعاً بأكاذيب النظام الإيراني، ودوره في إشاعة الإرهاب والفوضى في المنطقة، فرأى بعد أن طفح الكيل، ولم ترعوِ طهران، بأن يضعها في حجمها الحقيقي، ولا يدعها تستمر في إخفاء نواياها إلى الأبد، فكان هذا البيان الذي مزَّق (تقريباً) كل ما كان موضع تفاهم واتفاق وانسجام مع الرئيس الأمريكي السابق، بما لا يجعل أمام النظام الإيراني من فرصة للمناورة، وأن عليه بعد اليوم أن يعرف حجمه وقدراته، وأن التعامل مع سلوكه سيكون جدياً وصارماً وقاتلاً إذا تطلب الأمر ذلك.
* *
ففي بيان صدر من البيت الأبيض، بدأ بقول الرئيس ترامب (آن الأوان لأن ينضم إلينا العالم كله في مطالبتنا الحكومة الإيرانية بإنهاء سعيها إلى الموت والدمار)، أعلن البيان عن تفاصيل الاستراتيجية الجديدة للرئيس تحت عنوان (العناصر الرئيسة في استراتيجية الرئيس الجديدة نحو إيران) بعد التشاور مع فريقه للأمن الوطني، وأن هذه الاستراتيجية هي حصيلة تسعة أشهر من المشاورات مع الكونجرس ومع الحلفاء حول أفضل الطرق لحماية الأمن الأمريكي، وهذه الاستراتيجية تركز على تحييد نفوذ حكومة إيران في زعزعة الاستقرار والحد من عدوانيتها، وخاصة دعمها للإرهاب والميليشيات، وإعادة تنشيط تحالفات الولايات المتحدة التقليدية وشراكاتها الإقليمية لتكون كالحصن ضد التخريب الإيراني، ولاستعادة التوازن الأكثر استقراراً للقوى في المنطقة، والعمل على منع النظام الإيراني وبشكل خاص الحرس الثوري من تمويل أنشطته الخبيثة التي يبتزها من ثروة الشعب، ومواجهة التهديدات الموجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من خلال الصواريخ الباليستية والأسلحة الأخرى.
* *
كانت المملكة دائماً تحذر من سكوت العالم على جرائم النظام الإيراني، وتحث الجميع على أن يتحمل مسؤولياته في إدانة نظام طهران، ومنعه من استمراء المؤامرات ونشر الرعب والإرهاب في دول المنطقة والعالم، وكان الموقف السعودي يصدر موثقاً للحرص على تجنيب المنطقة الفوضى التي تخطط لها إيران، وتحقيق السلام والاستقرار، وظل هذا هو موقف الرياض الذي لم يتغير أو يتبدل تحت أي ظرف، ومهما كانت التضحيات التي قدمناها في أكثر من موسم في الحج وكذلك في سفارتنا وقنصليتنا في إيران، ومحاولة قتل سفير خادم الحرمين الشريفين آنذاك عادل الجبير، وكنا على ثقة بأنه سوف يأتي اليوم الذي يرتفع فيه صوت أمريكا على يد زعيم شجاع لإيقاف سيل المؤامرات الإيرانية، وهذا ما نقرأه في بيان البيت الأبيض وسيده الرئيس ترامب.
* *
يشير البيان إلى وجوب تحييد نفوذ إيران والحد من عدوانيتها ودعمها للمليشيات الإرهابية، وأن الحرس الثوري استخدم الحوثيين كدمى لإخفاء دور إيران في استخدام الصواريخ والقوارب لمهاجمة المدنيين في السعودية والإمارات، وأن هدف الحرس الثوري الإيراني تكريس الفوضى في دول الجوار لإيران، فسلوك إيران المتهور يثير الطائفية ويديم الصراع، لكن أمريكا سوف تغلق جميع الطرق أمام النظام الإيراني للوصول للسلاح النووي، وأن شراكة أمريكا الإقليمية حصن ضد التخريب الإيراني في المنطقة، فهذا نظام تقوده حكومة خامنئي يزور الانتخابات، ويطلق النار على الطلاب ويصدر العنف.
* *
فإيران ضمن تطويقها بهذه العناوين، وفي كل عنوان هناك تفاصيل لأعمالها الخبيثة، وهناك تخطيط لدعم أنشطتها الإرهابية بتطوير صناعة أسلحتها النوعية وصولاً إلى السلاح النووي، لكنها الآن مع صدور بيان من البيت الأبيض عن الاستراتيجية للرئيس الأمريكي أصبحت أضعف من أن تهدد وتتوعد وتمارس نفس سياسات كوريا الشمالية في الرد على الموقف الأمريكي من تجاربها النووية، فإيران أولاً لازالت مستمرة في العمل للوصول إلى مرحلة التخصيب لإنتاج الأسلحة النووية بخلاف كوريا التي نجحت تجاربها، وثانياً فإن القوة العسكرية لدى كوريا غيرها لدى إيران، ثم لكوريا حلفاء كالصين وروسيا، وهو ما لا يتوافر لإيران التي لا تحتاج مفاعلاتها النووية إلا إلى ضربة تقضي عليها، دون أن يكون هناك رد فعل من طهران، وإن حدث فسوف لن يتعدى حدودها.
* *
البيان الأمريكي أشار إلى حقوق الإنسان، وأن على العالم أن يدين إيران لاحتجازها غير العادل للمواطنين الأمريكيين والأجانب باتهامات مزيفة، وأوضح البيان بجلاء أن إيران تصدر العنف وتزعزع استقرار جيرانها وترعى الإرهاب في الخارج، بينما في الداخل تقوم بقمع المواطنين الإيرانيين وتستغل حقوقهم وتقيد وصولهم إلى الإنترنت والعالم الخارجي، وتسجن الإصلاحيين. وأضاف البيان بأن إيران تستفيد من الصراعات وعدم الاستقرار في توسيع نفوذها الإقليمي بشكل عدواني، وخاصة عندما حدث الفراغ الذي خلَّفته إدارة أوباما في الانسحاب غير المدروس من المنطقة.
* *
هذه هي إيران - كما صوَّرها البيان - لكن الأخطر أن النطاق الكامل لخبث النظام الإيراني يمتد إلى أبعد من التهديد النووي الذي يشكِّله، حيث يتم تطوير ونشر الصواريخ الباليستية والدعم المالي للإرهاب، ودعم الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري، والتهديد المستمر لحرية الملاحة البحرية في الخليج العربي، والهجمات الإلكترونية ضد أمريكا وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط، وأشار البيان إلى أن إدارة أوباما سمحت بتركيزها الفاقد للبصيرة على البرنامج النووي واستبعاد العديد من الأنشطة الخبيثة الأخرى للنظام، وبهذا البيان القوي تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد استعادت هيبتها وقوتها وكبرياءها، وأظهرت للعالم أن مسؤولياتها باعتبارها الدولة العظمى، وفي عهد رئيس قوي وشجاع، لن تسمح لإيران بتمرير مؤامراتها، والتمرد على القوانين الدولية، ولن تكون في مأمن من العقاب إذا لم تتوقف عن ممارسة هذه الأدوار المشبوهة.
* *
على أن المملكة التي ظلت تكرِّر تذكيرها للعالم بخطورة النظام الإيراني في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتحذِّر من مجاملة إيران على حساب استمرارها في دعم الأنشطة الإرهابية وإثارة الفوضى في دول المنطقة، هي اليوم من بين أسعد الدول إذ ترى الولايات المتحدة الأمريكية مع رئيسها الجديد تعيد حساباتها مع هذا النظام الخطير، وتراجع مواقفها من جديد، وخاصة خلال فترة الرئيس السابق الذي فرَّط بمصالح أمريكا وحلفائها التاريخيين لإرضاء نظام عدواني وإرهابي ومتآمر على الجميع هو نظام الملالي في إيران.
* *
الموقف السعودي الحازم تجدَّد اليوم، فقد أسرعت الرياض مع صدور الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب حيال إيران بإصدار بيان مؤيد ومرحب بهذه الاستراتيجية، مع تأكيدها على الالتزام التام مع شركائها في الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي لتحقيق الأهداف المرجوة التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب في معالجة الخطر الذي تشكِّله سياسات إيران على الأمن والسلم الدوليين بمنظور شامل لا يقتصر على برنامجها النووي، بل يشمل كافة أنشطتها العدوانية، ويقطع كافة السبل أمام إيران لحيازة أسلحة الدمار الشامل، وهذا الموقف السعودي القديم الذي يتجدد ينسجم مع النظرة السعودية التي تقوم على منع أي سلوك لإيران يستهدف الإضرار بدول المنطقة، ونشر الإرهاب على مستوى العالم، وبناء ترسانة من الأسلحة المدمرة للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف العدوانية.