يوسف المحيميد
مطلع هذا الأسبوع، أقيم في باريس معرض للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، تخصص في جزء من منجز عام واحد لهذا الفنان العظيم، وهو ما يُسمى عام الشغف بالنسبة له، وهو عام 1932، الذي أنجز فيه 300 لوحة. إن هذا العمل الدؤوب والمخلص، هذه الممارسة اليومية المنضبطة هي ما جعل هذا الفنان العبقري يصبح أحد أبرز فناني القرن العشرين، إن لم يكن الأبرز فعلاً، فالمسألة تحتاج إلى جدية وصرامة تجاه الموهبة، وإلا ستذبل مع الوقت، أو تظهر ولكن بشكل سطحي وغير فاعل ومؤثّر.
قرأتُ هذا الخبر في إحدى الصحف، وأمام دهشتي من أن ينجز فنان عالمي ثلاثمائة لوحة في عام واحد، قرأت في الصفحة المقابلة حوار فنانة تشكيلية سعودية تشتكي من قلة الدعم، وعدم الاهتمام بالفن التشكيلي، وما تنجزه الفنانات التشكيليات، وصرت أتساءل، ما الدعم الذي يبحث عنه الفنان السعودي؟ هل ينتظر الحكومة ممثلة في الجمعيات المختصة وغيرها، أن تقتني لوحاته كي تعلقها على جدرانها؟ هل ينتظر أن توفر له قماش الكانفاس، وألوان الزيت والاكريليك؟ أم يتوقّع أن تدعمه الدولة بإقامة معارض فنية تشكيلة خارجية لا يحضرها سوى موظفو السفارة والملحقية السعودية؟
كل هذا الدعم لن يصنع فناناً حقيقياً، ولن يقدم الفنان إلى المتلقي في الداخل والخارج، ما يقدمه هو فنه وموهبته، واهتمامه بهذه الموهبة، والعمل المستمر المتواصل دون ملل ولا كلل ولا شكوى وغضب من الواقع الذي هو من يصنعه.
عودة إلى بيكاسو، الذي كان لأبيه دور مهم في موهبته، ففي طفولته بعدما لمح شغفه بأقلام الرصاص منذ الثالثة، ألحقه بدورات وتدريب مستمر، حتى نضجت موهبته مبكرًا في مرحلة الصبا، وفي نظري، هذا الدور الذي قد يفتقده الفنان أو الفنانة السعودية، فكثير من الفنانين والفنانات يعانون من محيطهم، إما من رفض الأهل لهذا الفن، أو التقليل منه بتسميته «خرابيط»، نتيجة قلة وعيهم، وفي أفضل الحالات التجاهل، تجاهل ما يفعله الأبناء والبنات من مواهب مهمة، والسخرية منهم.
هذا ما يحتاجه الفنان، دعم الأسرة المحيطة به، فضاء أسري فني محفز على الإبداع، والاستمرار في التألق والإنجاز والنجاح، وهذا هو الدعم الحقيقي الذي يصنع الفنان، أما ما عداه فلا قيمة له.