فهد بن جليد
في كل مُجتمع هناك اتفاق ضمني - غير مُعلن - حول الحد الأدنى لما هو مقبول وما هو مرفوض من تصرفات وأشكال لأفراده وفق معايير مُجتمعية سائدة يتفق الجميع حولها، القفز على مثل هذا الاتفاق أو مُخالفته يعد أمراً غير مقبول ترفضه طبيعة كل مجتمع، إلا أن الأخطر دائماً هو التسلل من (الباب الخلفي) لبعض الجماعات لاختراق الذوق العام تدريجياً، وبشكل ناعم وعفوي لظروف مُختلفة حتى يتم استمراء المشهد وقبوله، وهو ما حدث مع جماعة (ثياب القمصان) في مدرجات الملاعب.
منع دخول أصحاب (ثياب النوم) أو من يرتدون القمصان المنزلية إلى الملاعب لحضور المباريات، هو انتصار للذوق العام في المُجتمع يصبُّ في الرفع من قيمة اللعبة وجمهورها محلياً، فهؤلاء يقتحمون علينا منازلنا فجأة من أوسع الأبواب، ويُطلون علينا مع الشاشة خلال أهم وأكثر الأوقات مُشاهدة للتلفزيون، وبالتالي يؤثرون في ذوق المُشاهدين، ويمثلون انعكاساً لجمهور آخر (خارج الملاعب) للظهور والتجول بهذه الملابس في الشوارع، والأسواق، دون خجل، وكأنَّ ما شوهد في المُدرج، مُبرِّر لتكرار المشهد في أماكن أخرى.
مُبكراً بدأنا وضع ضوابط ملابس المُراجعين عند دخول الدوائر الحكومية وغيرها، ومثله تطور الأمر للقضاء على ارتداء السراويل الرياضية أو البناطيل القصيرة لبعض الشباب في الأسواق والحدائق والمُتنزهات والمطارات، إلا أنَّ الخطوة الأهم - برأيي - هي التي تم اتخاذها مؤخراً في الملاعب، لأنَّها الأوسع انتشاراً، والأكثر تكراراً ومُشاهدة في أهم اللحظات وأكثرها حماساً لكافة شرائح المُجتمع، وبها يتم القضاء على صورة سلبية سابقة، كان يعكسها مثل هذا التصرف الفردي - غير اللائق - خصوصاً في المُباريات الدولية و الرسمية أو الوطنية.
تعريف وتحديد (الذوق العام) مسألة بالغة التعقيد، نتيجة اختلاف المفاهيم والعادات والتقاليد بين قبول بعض التصرفات ورفضها، إلا أنَّ هناك حداً أدنى من المعايير التي يتفق حولها الجميع ويلتزمون بها، قبل نحو (سنتين) كُنَّا ننتظر ولادة الجمعية السعودية للذوق العام، كمشروع وطني يتفق الجميع حوله كضابط ومعيار عام لما هو حسن وما هو غير ذلك على مسطرة القبول والمنع المُجتمعية، الفكرة اختفت ولم تعد مطروحة، رغم أننا كنا نأمل أن تكون ضابطاً لمُخالفة كل من يقفز على ذوق المجتمع العام، ويخدش حياءه.
الأمل اليوم في هيئة الرياضة أن يمتد ضبطها للذوق العام في المُدرجات على تصرفات وحركات بعض الجماهير، والعبارات التي يطلقونها أثناء المُباريات، وعدم الاكتفاء بالمظهر العام لملابسهم فقط، فهذا أيضاً جزء من الذوق العام.
وعلى دروب الخير نلتقي.