د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تراجعت وظائف السعوديين في القطاع الخاص حلال الربع الثالث من العام الماضي 2016، بنحو 32.4 ألف وظيفة، في حين ارتفع عدد الوظائف الجديدة للوافدين بنحو 5.8 ألف وظيفة خلال الفترة نفسها، ليصل إجمالي العاملين الوافدين نحو 8.58 مليون عامل، علمًا بأن انخفاض وظائف السعوديين يعتبر للربع الثاني على التوالي. فيما بلغ إجمالي العاملين في القطاع الخاص بنهاية الربع الثالث من عام 2016 نحو 10.26 مليون عامل مقابل 10.29 مليون عامل للربع الثاني، بفارق 26.6 ألف وظيفة، مثلت نسبة الوظائف السعودية 16.3 في المائة بنحو 1.67 مليون وظيفة (الاقتصادية، 18-2-2017).
والغريب أن شركات الكيان المحدودة والشركات المساهمة قلصت خلال الربع الثالث من العام 2016 من موظفيها بنسبة 1.4 في المائة بنحو 50.7 وظيفة، مستثمرة المادة الـ77 من نظام العمل الجديد الذي دخل حيز التطبيق ومنح الشركات الحرية بإنهاء خدمات من يعملون لديها، في مقابل دفع راتب 15 يومًا عن كل سنة عمل للموظف، في المقابل وظفت الشركات ذات الكيان الفردي خلال نفس الفترة بنحو 27.7 ألف وظيفة.
تقارير البنك الدولي أوضحت أن برنامج حافز يدعم البطالة، وبرنامج نطاقات يعزز السعودة الوهمية، لكن لماذا فشلنا حتى الآن في وضع حد أدنى للأجور لكلا الفئتين وطنيين ووافدين، بينما كل دول العالم لديها حد أدنى للأجور، ولا تفرق بين المواطن والوافد، بل تحاول رفع الحد الأدنى من الأجور، رغم أنها تجد معارضة من أصحاب المشروعات ولكنها تفاوضهم وفق التوازن الاقتصادي للسوق.
وضع حد أدنى للأجور يعمل على خفض الفوارق الاجتماعية، وتسريع النمو الاقتصادي، وتعزيز الطبقة الوسطى، وخلق جسور جديدة إلى الطبقة الوسطى.
تريد الولايات المتحدة زيادة الحد الأدنى للأجور للمتعاقدين الجدد في الدولة الفيدرالية إلى 10.10 دولار للساعة مقابل 7.25 دولار للساعة الجاري العمل بها في الدولة الفيدرالية.
وعلى الدولة وأيضًا على القطاع الخاص والشركات أن يمكنوا الناس من العيش بسعادة، وألا يشعروا بالتوتر قدر الإمكان، ورغم أن هناك حدًّا أدنى للأجور في بريطانيا بحكم القانون، إلا أن هناك شركات تتطوع لدفع أجر المعيشة استنادًا إلى تقديرات حول تكاليف المعيشة، وهي على خلاف فكرة الحد الأدنى للأجور الذي يقوم على المقدار الذي يستطيع الاقتصاد أن يتحمله دون خسارة الوظائف.
فكيف تخطت بريطانيا مفهوم الحد الأدنى للأجور إلى مفهوم أجر المعيشة على اعتبار أنه مفهوم أخلاقي، أو للتوظيف الأخلاقي ويحسن سمعة الشركة، وخصوصا فيما يتعلق بعمال النظافة والأعمال الخدمية التي لا تحتاج إلى مهارات عالية، لكن أعمال شاقة.
عند غياب الحد الأدنى للأجور مع غياب مفهوم أجر المعيشة مع اتساع فجوة الأجور بين القطاعين الحكومي والخاص، وبين العمالة الوطنية والوافدة، يتسبب في تعسف وتوتر لدى العاملين من كلا الفئتين. حتى أن العمالة التي تعمل في الخدمات البسيطة، وفي النظافة تعتمد اعتمادًا مباشرًا على التسول نتيجة انخفاض أجورهم التي لا تتناسب لا مع الحد الأدنى للأجور ولا مع مفهوم أجر المعيشة، فهو ظلم اجتماعي وإجحاف للحقوق ويصبحون عالة على المجتمع لصالح فئة محدودة من رجال الأعمال تزداد ثروتهم على حساب فئات ضعيفة حتى ولو كانت من العمالة الوافدة وعلى حساب المجتمع لأن تلك الفئات ستعوض نقص تلك الأجور بالتسول أو العمل في أعمال مشبوهة، وقد تكون أعمال إجرامية، وقد يكونون لقمة سائغة وسهلة لاستدراجهم في أعمال إرهابية وإجرامية.
المسؤول عن مثل تلك السلوكيات تتحدد في غياب قوانين وتشريعات وضوابط تفرض وضع حد أدنى للأجور لصالح العامل، في حين يحصل أصحاب الشركات والمؤسسات على أموال طائلة يجنونها من المناقصات الحكومية التي ترسو عليهم مما يحولهم إلى أصحاب مصالح متنفذين على حساب الأمن الوطني.
لذلك نجد كثيرًا من رجال الأعمال في دول الخليج يعترضون على وضع حد أدنى للأجور، ويدعون أن تحديد الأجور ورفعها يؤثر في قطاعات عدة مثل المخابز والمدارس الأهلية وغيرها.
وتواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضغطًا كبيرًا، وتضررت كثيرًا من قرارات تنظيم السوق التي أصدرتها وزارة العمل في الفترة الماضية التي اتبعتها وزارة العمل في تطبيق برنامج السعودية.
لكن هناك خيارات وبدائل واستثناءات، وإعادة هيكلة مثل تلك القطاعات حتى يمكن أن تستغني تلك المنشآت عن الحاجة إلى العدد الكبير من العمالة كبدائل لتقليل التكاليف، وحتى لا تؤثر على ارتفاع نسب التضخم، خصوصًا أنها تستهدف طبقات فقيرة، ولكن الالتزام بتطبيق الجانب الحقوقي والجانب الخلقي والإنساني، يجعلنا ألا نستجيب لمثل تلك الاعتراضات غير الأخلاقية وغير الإنسانية من أصحاب المصالح، حتى لو تعود عليها أصحاب العمل في الفترة الماضية، ولكنها أوضاع خاطئة تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتؤثر على سمعة المملكة في المحافل الدولية التي تتعارض مع حقوق العمال التي تلتزم بها دول العالم كافة التي يجب تصحيحها.
فاليابان مثلاً واجهت الضغوط الانكماشية لأكثر من عقد من الزمان بعدما ظل مستوى الأجر الاسمي سلبيًا لفترة طويلة للغاية، فمنذ عام 2000 استمر مستوى الجور في الهبوط بمتوسط سنوي بلغ 0.8 في المائة، مقارنة بمتوسط نمو في الأجور الاسمية بلغ 3.3 في المائة في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، و2.8 في المائة في فرنسا.
السعودية الرابعة عالميًا في استقبال الوافدين، فيما 15 في المائة ارتفاعًا في نسبة العاطلين السعوديين عن العمل بين عامي 2011 و2016 وسيطرة الوافدين على 78 في المائة من وظائف القطاعات الإنتاجية في السعودية، ويستحوذون على 90.7 في المائة من إجمالي عدد المهندسين المسجلين في الهيئة العامة للمهندسين ما يعادل 190392، فيما بلغت نسبة السعوديين 9.3 بما يعادل 19500، وهناك 8 في المائة من العاطلين عن العمل في السعودية وافدون أيضا، ما يعني أن هناك أصحاب مصالح مازالوا يتاجرون بالتأشيرات تحت مسمى شركات فائضة عن حاجة الشركة والسوق.
التشريعات والتنظيم هي التي تحدد وتيرة التغيير وليست رغبات القطاع الخاص، يمكن لكبار رجال الأعمال والمجتمع المدني سيكونون بحاجة إلى التعاون مع الحكومة لتحديد اللوائح والمعايير الملائمة للمجتمع.
كل دول العالم تعاني من مستقبل العمل والتغير التكنولوجي، ومن مستقبل العمل والهجرة، فكانت سنوات ولاية أوباما من أكثرها تشاؤمًا وكآبة بالنسبة للعمال الأمريكيين، مقارنة بسنوات رئاسة الرئيس السبق رونالد ريغان، أو بيل كلينتون، وهي كانت مثيرة للقلق، وتسعى شركات وادي السيلكون إلى استغلال نفوذها في مواجهة تقييد الهجرة، لكن وفق أجور متساوية ومنافسة متكافئة بين العامل الأمريكي والمهاجر والتنافس فقط حول المهارة، لذلك هناك طفرة في إنشاء الشركات الصغيرة على يد المهاجرين في ألمانيا، وكان لهم دور في إنعاش الاقتصاد الألماني، ولكن وفق نسب محددة وليست مفتوحة وهو ما تعمل عليه الآن وزارة العمل في العديد من القطاعات.
فيما فشلت سياسات وزارة العمل بسبب غياب أجور لسوق موحد بدلاً من تعدد الأسواق وفق تعدد الأجور، حيث فشلت محاولات وزارة العمل في خطتها لرفع سقف الغرامات على التستر، ولم تكن رادعة لأن التستر خلف مسمى الكفيل لقاء دفع مبالغ زهيدة للكفلاء يعتاشون عليها وهم يخالفون بذلك أنظمة الدولة التي تهدد نمو الاقتصاد الوطني، وتحرم توظيف أبناء الوطن.
عدم تحديد الأجور ووقف مسمى الكفيل ستكون عقبة أمام تحقق رؤية المملكة في رفع مساهمة القطاع الخاص من 40 إلى 65 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي من أجل زيادة الإيرادات غير النفطية، ومنها الوصول من المركز الـ36 إلى المراكز الخمسة الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، والوصول من المركز الـ82 إلى المركز الـ20 في مؤشر فاعلية الحكومة.
خصوصًا أن هيئة الاستثمار تتجه نحو إطلاق شراكات سعودية أجنبية تسهم في زيادة الاستثمارات ذات القيمة المضافة وتنويع مصادر الدخل وزيادة الصادرات ذات الميزة التنافسية، والعمل على زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 16 إلى 50 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، أي رفع الإيرادات من 163 مليارًا إلى تريليون ريال سنويًا، خصوصًا بعد فتح الاستثمار بنسبة تملك مائة بالمائة للمستثمرين الأجانب، في حين تصل الضريبة على الشركات 20 في المائة، فتصبح مسألة وضع حد أدنى للأجور حاجة ملحة وتوحيدها بين السعوديين والوافدين لخلق سوق عمال واحدة بدلاً من سوقين متوازيين الذي يغيب المنافسة بين الطرفين، بل يجب أن تكون تكلفة اليد العالمية الوطنية أقل من تكلفة اليد العاملة الوافدة الماهرة، خصوصًا أن البنية التحتية للاستثمار جاهزة في السعودية، حيث ارتفع عدد المدن الصناعية من 14 مدينة صناعية عام 2007 إلى 35 مدينة صناعية في عام 2015 بلغ فيها حجم الاستثمارات 375 مليار ريال، وعقود الفرنشايز (الامتياز التجاري) الأكثر في المنطقة رغم غياب النظام، والتحول الوطني يمنح دورًا أكبر للقطاع الخاص في مشروعات الخصخصة، وهي أحد العوامل الرئيسية لرفع كفاءة القطاع الخاص لمواجهة تقلبات النفط.
ما يواجهه العالم منذ عقود يهدد السياسيون الخناق على سلوك الشركات والأجور التي تدفع لأعضاء مجالس الإدارات، وكبح جماح سلطة النقابات في عالم الأجور الباهظة التي يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة، وزيادة عدم المساواة، والغياب الساحق للثقة بالشركات من أجل إيجاد اقتصاد أكثر شمولاً، بينما نحن مطالبون باقتصاد أكثر عدلاً وأكثر مساواة.