د. صالح بن سعد اللحيدان
.. وأبين هنا في هذا الجزء ما كنت قد أسلفت القول عنه عن العقل وحالاته في نسق مطول مضطرد لعلة، أو لعله
يفتح المجال في زمن العلم بحاجة إلى العقل أن ينظر ويحكم من خلال سلامته من المعارض وإحاطة الفطرة به من كل صوب ووضع شائك الحديد لحمايته من العاطفة وحمايته من القلب الرجراج، فلا يكون ثمة أي مدخل على العقل من أي شاربة تشرب او واردة ترد او ضاوية تضوي، فإن كان الشائك حول العقل من الدهاء العادل والفطنة العادلة والقوة العادلة ترد كل هذا على عقب خاسر دون شك او حكاية تكون.
وعلى هذا اساس إذا كان العقل موهبة وإذا كان العقل غريزة فإنه بهذا يصفو جوه وتنير ساحته فيندرج في هذا القلب ليستفيد من العقل وتلحق به العاطفة لتأخذ من العقل، فيكونا خادمين له وعلى هذا الأساس يندحر الهوى
ويزول الصدا ويذهب مع الريح كل غبش او ميل أو سوء فيصفو الجو ويسعد العقل بأنه ساد على الرؤى والمداخل والمخارج.
ولست أبعد النجعة أن أصول التجديد في سياسة الحياة كلها إنما تنبعث من هذا ولا يخالفني في هذا إلا من
لم يستوف القراءة او أنه يقرأ ولكنه على حال متراوحة بين العجلة والرؤية العورى
(ولا ينبئك مثل خبير )
ومن خلال متابعتي لما يطرح في الكتابات من آراء وتنظيرات واجتهادات حول اللغة فإنني أنحو باللائمة
على ذات المتعجل الذي يريد ان يحرر مسألة لغوية مهمة في مقال او مقالين او قل ثلاثة في زاوية من الزوايا في مجلة محكمة او صحيفة سيارة!
وهذا الذي أقوله إذا انتشر في الاجتهادات العلمية الشرعية والثقافية والنقدية طغى الأمر من حال عاقلة
نزيهة إلى حال فيها من حب الوصول إلى النتيجة مايرديها
واللغة في سياستها وماطرحه الأئمة وكبار العلماء خلال الأزمنة السالفة إنما فعلوا ذلك في نسق متحد او في نسق مختلف كان العقل هناك هو الحكم ولذلك لا تجد (السيرافي ) في شرحه لكتاب سيبويه يطرح طرحا إنشائيا او مجرد تلقين او الإيحاء بأنه العالم المجدد
ولذلك كذلك نجد (الخصائص) وكذلك نجد (عمدة القاري) للعيني وكذلك نجد (مغني اللبيب) وماطرحه ابن معطي وبن هشام وماطرحه بن قتيبة ومابذله الإمام مسلم في سياساته اللغوية نجد هناك أن العقل قد سيطر
على الميل على حب الذات وذيوع الصيت فنجد ماطرحه أولئك من شروحات وآراء واجتهادات نجد أنها أضافت جديدا لم يسبق إليه.
ومعاجم اللغة عند (الجوهري) و(ابن منظور) و (ياقوت الحموي) و (ابن مالك) و (ابن عقيل) وسواهم وكذا (الفيروز أبادي) نجد أن هؤلاء اقتصر العقل لديهم على الفائدة اللغوية دون تشعبات او تهميشات او تخطئة لطرف إنما العقل قادهم إلى حسن الدل وحسن السمت وعذر المخالف انه اجتهد وهذا حظه.. فهم لا يعرفون بذاءة الألفاظ والتشنيع بالأسماء او الاستعلاء ..
وهذا دون شك نسق مطرد كما قلت من قبل قادهم إليه العقل الذي أحاطته الفطرة بقوة الحذر من الزلل او حب الذات او حب الرئاسة إنما الديدن كل الديدن عندهم عموم الفائدة مع الاعتراف بالتقصير وعذر مخالف
وهذا هو لب من الباب العقل وصفة من صفات العقل وحال من حالات العقل.
وأقدر لقومي اليوم مايقع منهم في بعض كتاباتهم في الزوايا الصحفية او المقالات المطولة او المحاضرات في الجامعات او المراكز العلمية او الهيئات الرسمية اقدر لهم البتر او العجلة او حب الوصول إلى النتيجة وهذا لأنني في اعتقادي أجزم ان هذا سبيل يقودهم حينما يقرأون ما يكتبون عشرين مرة مثلا انهم سوف يعيدون ويبدون ثم هو لا يتكرر ذلك الخطأ من الطرح الإنشائي او كثرة التهميشات او كثرة الإعتراضات او البتر او الإجتهاد الذي يظنونه اجتهادا وإنما هو بذل الرأي ليس إلا .