(منديلها الأصفر) مجموعة قصصية للقاصة كفى عسيري صدرت قبل أيام عن نادي الأحساء الأدبي، تقع في حوالي مائة صفحة، وتضم ثنتين وعشرين قصة قصيرة، إضافة إلى سبعٍ من القصص القصيرة جدا.
خصَّتْ الكاتبة في مجموعتها نساء المملكة - وتحديدا المنطقة الجنوبية - من الفلاحات والقرويات الكادحات؛ بأكثر من قصة لتكون هدية مناسبة لنظيراتها من «النساء الكادحات في مشارق الأرض» كما نصت على ذلك في صفحة الإهداء!
ففي قصة (البرميل الأسود) تسرد لنا قصة عجوز تكافح لتدبير لقمة عيشها، فتستعين بعامل يمني لـ (يخْرِط) شجر الحناء ثم تقوم -هي- بتجفيفه وسحقه وتعبئته في البرميل الأسود الذي أعدته لهذا الغرض، وتُحكم إغلاقه، وتضع على غطائه حجرا حتى لا يعبث به الصبية. لكن احتياطاتها لم تغنها شيئا إذ أتت حفيدتها وزحزحت الحجر وأخذت خرطوم الماء لتملأ البرميل، فتنساب محتوياته مع الماء المتدفق، ويذهب مجهودها ومجهود من استأجرته أدراج الرياح!
وفي القصة المعنونة بـ (حلم القروية) عجوز أخرى تجتهد في تجميع صفائح الحليب والسمن الكبيرة، وملئها بالطين الزراعي واستنبات بعض النباتات العطرية استعدادا لبيعها إذا أصبحت شجيرات صغيرة، فتصيبها رمية طائشة لكرة ابنها، فتعاقبه بالضرب والحبس. ولخيبة أملها يهجم على القرية صاروخ يقتل الولد ويتلف صفائح المزروعات!
ولا يقتصر الحديث عن الكدح على النساء فحسب؛ فقد كان للرجال الكادحين نصيبهم أيضا، فهذا بائع المساويك في قصة (انتقام) يمر كل يوم أمام (فيلا) أحد الأثرياء المتغطرسين متجها إلى بقعة على الرصيف المقابل لمتجر الذهب، فيعرض بضاعته ليفاجأ بمنعه من المرور بشارع الفيلا، ومن البيع في هذا المكان!..
وفي قصة (صفقة) بائع موز فقير تزداد عليه الأعباء المالية بعد أن رزقه الله بطفلين؛ ولم يحقق بعد رغبته ورغبة زوجه في حج بيت الله.. تسوقه المصادفة إلى بيع الموز لتاجر تقي لم يرزق بذرية، كان قد عزم على مجاورة الحرم، وأعجب بأدب بائع الموز وخلقه؛ فطلب منه مرافقته وأسرته إلى مكة المكرمة للحج والإقامة.
كما تناولت القاصة بعض المواقف الاجتماعية كالتبذير لمجرد المباهاة والتقليد كما في قصة (استنفار) وتعالي الجار الثري على جاره الفقير كما في القصة القصيرة جدا (رفض).
وتطرقت القاصة إلى اختلاف الثقافات بين الآباء والأبناء كما في قصة (طبخة) التي تحكي عن قروية تريد زيارة جارتها إثر خروجها من المستشفى فتبحث عما تهديه إياها فلا تجد سوى قطعة قماش جاءتها هدية منذ زمن، فتقدمها هدية لجارتها - أسوة بجاراتها الأخريات - وتقول لها :»فصليها كرتة لإحدى البنات» فتثير سخرية صويحباتها ممن تركن (الكرتة) لجيل أمهاتهن!..
وفي قصة (كرم) شيخ كبير تعوَّد على إكرام جيرانه وعابري السبيل؛ فيعرض عليهم مشاركتهم طعامه كل يوم ولا يستجيب له أحد، فيبدأ في التفكير بعرض أبنائه إدخاله دار المسنين!
وهذا شاب أزعجه اعتناء والده بمزرعته فما إن مرض والده مرضا عارضا حتى سارع الابن إلى بيع المزرعة كما في قصة (ثمن بخس).
ومن قصص الخداع والاستغفال تأتي قصة (القرض) لتحكي قصة معلمة يخدعها عاطل يدَّعي حبها لكنه عاجز عن إتمام الزواج بسبب فاقته، فتقرضه ما يكفي لإتمام الزواج، والبدء بمشروع تجاري، لتتبين فيما بعد أن أموالها قد ذهبت لتمويل (داعش)!
ومن القصص التي تحمل الطرفة مع النقد الهادف قصة (قرار) أنقلها بنصها لأنها من القصص القصيرة جدا: «عادت من منتصف الطريق المؤدي إلى قاعة الأفراح بعد أن تلقت اتصالا من شقيقتها تخبرها أن إحدى المدعوات ترتدي فستانا شبيها بفستانها»!.
كما تضم المجموعة قصصا لا هدف لها سوى التسلية الخالصة. ففي قصة (ترويض) فتاة تكره قراءة الكتب لدرجة أنها لم تقرأ في مراحل دراستها سوى المقررات المدرسية، لكنها بعد أن تزوجت صارت تحمل في يدها كتابا لا يكاد يفارقها إلى أن سقطت مجهدة بسبب كثرة القراءة، فينقلها زوجها للمستشفى، وفي أول زيارة لها تطلب من زوجها إحضار كتابها إليها!. وأمام إلحاحها لم يجد الزوج بدا من العودة للبيت لتلبية طلب زوجه، لكنه يصعق حين يجد الكتاب يحمل عنوان «كيف تروضين زوجك»؟!.. وتتضح في القصة المبالغة التي اضطرت إليها القاصة من أجل إسباغ الطرافة على قصتها!
والواضح أن القاصة قد أولت اهتمامها في هذه المجموعة بالبيئة الجنوبية من المملكة، وحياة سكانها وطرق معيشتهم وكفاحهم من أجل لقمة العيش، ولذا أستغرب حشر قصة (انعتاق) في هذه المجموعة؛ فهي تحكي عن امرأة أدمنت شرب القهوة، وعندما أرادت صنع قهوتها فوجئت بنفادها مما اضطرها للانتقال من شقتها بالطابق الثالث إلى الطابق الثاني لتختار عشوائيا إحدى الشقق فتطرق بابها، ويخرج شاب يقول لها إنه قد ترك القهوة منذ أن توفيت زوجه، ويدعوها لشرب الشاي بالنعناع معه فتوافق وتترك القهوة من ساعتها!
هذا عرض لأهم الموضوعات التي تطرقتها القاصة في مجموعتها، فماذا عن لغتها؟
لغة المجموعة لغة فصحى ميسرة أقرب ما تكون للحكاية، تخللتها الكثير من المصطلحات الخاصة بالبيئة المحلية، التي أكاد أجزم أنها تستغلق على من لم يعش في المنطقة، أو يعايش أهلها، ومع ذلك لم تشرح القاصة ما تعنيه هذه المصطلحات..
من هذه المصطلحات (المِدْسَم) والفعل منه (يدسِّم) وهو من المصطلحات الزراعية. ومصطلح (البلاد) الذي لا يخطر في بال البعيد عن المنطقة أن المقصود به المزرعة!.
ومثلها جملة: «نزّل لنا أمزوادة نتقرّع» أي ائتنا بالمزود لنتناول طعام الإفطار!.. وكذلك كلمة (طبخة) التي تقصد بها قبضة من البن وشيئا من مستلزماته تكفي لإعداد دلة من القهوة. وأيضا كلمة (كُرتة) التي تعني ثوب المرأة في زمن مضى.
وإذا كان لا مفر من إدراج المصطلحات كما يحكيها سكان المنطقة، فإن هناك مفردات عامية تخللت المجموعة القصصية دون الحاجة لها، لوجود البديل من الكلمات الفصيحة، ومن ذلك «ويهم في شفط الحبة الأخيرة من باكت السجائر» إذ يمكن أن يقال: تناولَ اللفافة الأخيرة من صندوق التبغ». وكذلك «ليّ الماء» الذي تقصد به الخرطوم..
بقي أن أقول إن القاصة لم تول عنايتها ببعض عناوين قصصها، ومن ذلك قصة بعنوان (طبخة) تتحدث عن جارة أهدت جارتها قطعة قماش لتخيطها كرتة لها فكان الأولى تسميتها بـ(كرتة)، وهناك قصة (البرميل الأسود) للعجوز التي تعبت في صنع الحناء قبل أن يقضي عبث حفيدتها على آمالها؛ وكان الأولى أن تسميها (براءة طفولة) مثلاً..
** **
- سعد الغريبي